الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أقسام العلة، والطرق إلى إثباتها]

صفحة 424 - الجزء 2

  المذكور، فتبين لك أن النزاع لفظي مبني على تفسير لفظ الإيماء، (والعلة الثابتة بالإيماء الظاهرة المناسبة لحكمها معتبرة اتفاقاً) بين العلماء، وفي اشتراط ظهور المناسبة في صحة علل الإيماء أقوال:

  أحدها: (لا يشترط وفاقاً للجمهور) من العلماء (ظهور مناسبتها) بل إذا كانت مناسبة في الباطن كفى لصحة قولنا: أكرم الجاهل وأهن العالم، ما ذلك إلا لأجل أن ثَمَّ مناسبة في الباطن، ففي الأول لدينه أو شجاعته أو سوابق نعمته، وفي الثاني لفسقه أو بدعته أو سوء خلقه؛ إذ لو لم يكن ثَمَّ مناسبة باطنة مجوزة، بل إنما أريد التعليل لاستقبح هذا غاية الاستقباح.

  ثانيها: يشترط.

  ثالثها: واختاره ابن الحاجب أنه إن كان التعليل فهم من المناسبة كما في مثال «لا يقضي القاضي وهو غضبان» اشترطت، لأن عدم المناسبة فيما المناسبة شرط فيه مناقضة لوجود المناسبة، بناء على أن وجود المشروط مستلزم وجود الشرط وعدمها بناء على الفرض، ولا يفهم التعليل من المناسبة كسائر أقسامِ الإيماء، فلا يشترط فيه المناسبة لأن التعليل يفهم من غيرها، وقد وجد ولا يخفى ضعف هذا، فإن وجود ما يفهم منه العلية لا يقتضي عدم اشتراط أمر آخر لصحة العلية واعتبارها في باب القياس.

  (ومطلق اعتبارها) أي العلل المومى إليها (لا يجوز تغييره كالغضب) في قوله ÷: «لا يقضي القاضي وهو غضبان» بمطلق الغضب لا بد من اعتباره؛ لأن في إهماله إبطالاً لنص الشارع #، لكنه يقدح فيه أن يقال: هل يكون في المنع من القضاء سبب بعينه، فلا يجوز إخراج الغضب اليسير لاندراجه تحت النهي أو يقال: إنه ليس سبباً لعينه، وإنما كان سبباً للتحريم من أجل معنى يتضمنه وهو الدهشة وهو كل ما يوجب اختلاط العقل ويمنع من استيفاء الفكر واستنباط النظر، وعلى هذا يجوز إخراج الغضب اليسير منه؛ إذ ليس مانعاً منه ويكون داخلاً فيه إفراط الجوع والعطش والألم المبرح فإنه كله مدهش، وأصل الوصف معتبر، والنظر بالتعبير بالزيادة عليه والنقصان إنما يتطرق في تفاصيله.

  (فأما تعيينه) أي مطلق الاعتبار (من كونه لعينها) أي العلل فيحرم إخراج شيء من الغضب (أو لمعنى تضمنه) كالذهنية والاشتغال (فيجوز تغييره بأنواع الأدلة) العقلية والسمعية، وتارة يكون من جهة الدلالة المناسبة، وتارة من جهة سياق الآي، ومرة بالنصوص: