(فصل): [في أن الحكمة من شرع الحكم هي المصلحة]
  في بعض الجزئيات) بل شك فيها أو ظن عدم الحاجة فإن بيع الشيء مع عدم ظن الحاجة إلى عوضه لا يوجب بطلاناً إجماعاً (وكاعتبار السَفَر في القصر؛ لأنه مظنة المشقة وإن انتفى ظنها) أي المشقة (في حق الملك المترفه) الذي يسار به على المحفة في اليوم نصف فرسخ لا يصيبه ظمأ ولا نصب ولا مخمصة فالحصول ونفيه في المثال الأول مستويان، وفي الثاني نفي الحصول أرجح، ومع ذلك فقد اعتبرت المظنة، فعلم أنه لا عبرة بالحصول في كل جزئي، والمعتبر الحصول في جنس الوصف، (فأمَّا لو كان حصول المقصود) من شرع الحكم (فائتاً قطعاً) في بعض الصور كما لو جعل النكاح مظنة لحصول النطفة في الرحم ترتب عليها إلحاق الولد بالأب، (كلحوق النسب في تزويج مشرقي بمغربية) وقد (علم عدم تلاقيهما) قطعاً (وكمعرفة فراغ الرحم في استبراء جارية اشتراها بايعها ممن باعها إليه في المجلس) أي مجلس البيع، فالمقصود من استبراء الجارية المشتراة من رجل هو معرفة براءة رحمها منه المسبوقة بالجهل بها ثابت قطعاً، لانتفاء الجهل فيها قطعاً، ومذهبنا في هذه الصورة أنه لا يجوز بيعها من بائعها الأول في المجلس، بل لابد أن تستبرى بحيضة، وكذا لو فسخ العقد بالبرص على ما هو مقرر في الفروع في هذه الصورة.
  إذا عرفت هذا (فالمختار وفاقاً للجمهور) من العلماء (منع التعليل به) أي لما علم أن المقصود فيه فائت قطعاً (لامتناع شرع الحكم مع القطع بانتفاء حكميته) إذ قد بينا سابقاً أن المقصود من شرع الحكم جلب المصلحة أو دفع مفسدة وهي منتفية هنا، (خلافاً للحنفية) فاعتبروا جنس الوصف وإن قطع بانتفائه كما يعتبر جنسه وإن ظن انتفاؤه في صورة جزئية كما في حق الملك المترفه أخر المعلوم الانتفاء في بعض الصور، فجرى مظنونه في بعض الصور نظراً إلى ظاهر العلة من غير التفات إلى ما تضمنه من الحكمة.
  (و) إن قيل: إن مذهبكم استبراء الجارية التي بهذه الصفة فلم أوجبتم ذلك مع قولكم أنه لا يعلل بما هذا حاله؟
  قلنا: (إيجاب الاستبراء في الصورة الثانية تعبد) من الشارع لنا بذلك، والتعبدات لا تعلل كما سبق تقريره، ولذلك لم يفرق بين البكر وغيرها في وجوب الاستبراء، وكذلك الجارية المشتراه من امرأة بخلاف لحوق النسب فلا تعبد فيه، فافترقت الصورتان.