الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  [٤] (و) حفظ (النسب بحد الزنا)، فإنه مناسب له لما فيه من صيانة الأمواه، ومحاذرة عن اختلاط الأنساب.
  [٥] (و) حفظ (المال بحد السارق والمحارب) فإنه مناسب لما فيه من صيانة الأموال والانزجار.
  والثاني: (مكمل له): أي للضروري وذلك (كحد قليل المسكر) وهو ما لا يزيل العقل، وحفظ العقل حاصل بتحريم المسكر، وإنما حرم القليل للتتميم أو التكميل؛ لأن قليله يدعو إلى كثيرة لما لوزن النفس من الطرب المطلوب زيادته بزيادة نسبته إلى أن يسكر، ومن حام حول الحما يوشك أن يقع فيه، (ومماثلة القصاص)، كالإغراق إذا أغرق، والإحراق له إذا أحرق، فحفظ المقصود الأصلي وهو وصون الدماء حاصل بقتله بالسيف، لكنه إذا كان مماثلاً كان أدعى إلى الانكفاف، وأدخل في الزجر عن إتلاف النفوس وإهلاكها.
  (ويجوز اختلاف الشرائع) تحليلاً وتحريماً (في المكمل) كما لا يزيل العقل فإنه حلال في شريعة بني إسرائيل حرام في شريعتنا، (و) يجوز اختلافها أيضاً (فيما بعده) وهو الثاني والثالث، فيجوز أن يثبت في شرائع من قبلنا شيء من ذلك، ويختلف في شريعتنا، وبالعكس كما في كثير من صور الشرع.
  وفي قوله يجوز اختلاف الشرائع في المكمل إشارة إلى أنه لا يجوز اختلاف الشرائع في غيره، وهو مشكل بما اشتهر في جميع دواوين الإسلام من أن الخمر كانت محللة في صدر الإسلام، وإنما حرمت بعد، ولذا قال الريمي في كتابه: مسألة عند الشافعي وكافة العلماء أن الخمر تحريمها متجدد، وعند الإمامية أنها محرمة على لسان كل نبي وفي كل كتاب، وأن تحريمها لم يكن متجدداً، انتهى.
= ألا لا يقربنَّ الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شفاءً، فنزلت هذه الآية: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ٩١} قال عمر: انتهينا.
قلت: فتأمل قولهم قبل تحريم الخمر، وتقرير النبي ÷ قبل نزول التحريم يدل على الإباحة في ذلك الوقت، والعجب من علماء ذوي بصائر يحكمون على العقل والنقل بقضايا هما مخالفان لها، ولا يكفيهم ذلك حتى يحكمون على المظنون بأنه مقطوع، والطوائف العظيمة كالأصوليين مثلاً يتطابقون على مثل هذه التي السنة قاضية بخلافها، وهذه المسألة مما قطعوا فيها بأنها محرمة في كل شرع، فإن أرادوا أن الشرع الحنيفي استقر على ذلك فمسلم، وإن أرادوا أنها لم تحلل فغير مسلم، وكيف لا وفي بعض ما سبق ما يدل على ذلك، وصرح النووي بمثل ذلك قال: من توهم أن حفظ العقل واجب في كل شرع فلا أصل له، قال: ومن قال إن المسكر لم يزل محرماً فقول من لا تحصيل له ولا معرفة له أصلاً. تمت الحاشية من هامش النسخة (أ).