الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  فإن قيل: إن الحرج وهو المشقة وصف غير منضبط لما قد تقرر، ولذا لم يعلل به القصر فلا يصلح علة.
  قلنا: قد أجيب بانضباطه في الجمع، بدليل جوازه سفراً وحضراً؛ إذا لم يمنع منه مانع شرعي، بخلاف القصر فإنه لو اعتبر فيه المشقة لصادمت الإجماع على عدم جوازه حضراً عند حصول الحرج.
  (وإمَّا) أن (يؤثر) بنص أو إجماع (جنسه في جنس الحكم) كالتعليل (بجناية العمد العدوان) في القتل بالمثقل على القتل بالمحدد، أو في (قياس الأطراف على النفس في القصاص).
  وإذا قيل: يجب القصاص في القتل بالمثقل قياساً على القتل بالمحدد أو في الأطراف قياساً على النفس بجامع كونهما جناية عمد عدوان (فجنس الجناية مؤثر في جنس القصاص) وذلك لأن الحكم مطلق القصاص وهو جنس يجمع القصاص في النفس وفي الأطراف وغيرها من القوى كالعين والأنف، والوصف جناية القتل العمد العدوان، وأنه جنس يجمع الجناية في النفس وفي الأطراف وفي المال.
  قال سعد الدين: وقد اعتبر جنس الجناية في جنس القصاص بالنص والإجماع وهو ظاهر، وإنما الخفاء في اعتبار عين القتل العمد العدوان في عين القصاص في النفس ليس بالنص أو الإجماع، بل بترتب الحكم على وفقه ليكون من الملائم دون المؤثر.
  ووجهه: أن لا نص ولا إجماع على أن العلة ذلك وحده أو مع قيد كونه بالمحدد، فهذه أنواع الملائم وأمثلتها.
  وأما الغريب: فهو ما ثبت اعتبار عينه في عين الحكم بمجرد ترتب الحكم على وفقه، ولم يثبت بنص أو إجماع اعتبار عين الوصف أو جنسه في عين الحكم أو جنسه، كقياس النبيذ على الخمر، فيثبت فيه الحرمة كما يثبت في الخمر، لاشتراكهما في علة التحريم من الإسكار، على تقدير عدم النص على الإسكار، هو العلة في تحريم الأصل المقيس عليه وهو الخمر، فإنه لم يوجد الإسكار في الشرع علة في تحريم شيء على هذا التقدير، بل يثبت بمجرد المناسبة اعتبار الإسكار في التحريم حفظاً للعقل بمجرد ترتب الحكم على وفقه، فلا يكون من المرسل الآتي، لكنه غريب من جهة عدم النص أن الإجماع على اعتبار عينه أو جنسه، وهذا المثال تقديري، ولا يضر فإن المثال لا يراد بنفسه، ولكن للتفهم، وإنما كان تقديرياً لأن النص وهو قوله ÷: «كل مسكر حرام» يدل بالإيماء على اعتبار عينه في عين الحكم، فهو إذن من قبيل المؤثر في التحقيق.