(فصل): [في المناسب المرسل]
  {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: ٣٢]، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}[النساء: ٩٣].
  واحتج مالك على قبوله بوجهين:
  أحدهما: أن الشارع اعتبر جنس المصالح في جنس الأحكام كما مر، واعتبار جنس المصالح يوجب ظن اعتبار هذه المصلحة، لكونها فرداً من أفرادها.
  قلنا: لو وجب اعتبار المصالح المرسلة لمشاركتها للمصالح المعتبرة في كونها مصالح لوجب إلغاؤها أيضاً لمشاركتها للمصالح الملغاة في ذلك، فيلزم اعتبارها وإلغاؤها وهو محال.
  الثاني: أن من تتبع أحوال الصحابة ¤ قطع بأنهم كانوا يكتفون في الوقائع بمجرد المصالح ولا يبحثون عن أمر آخر، فكان ذلك إجماعاً منهم على قبولها.
  قلنا: لا نسلم إجماع الصحابة عليه إنما اعتبروا من المصالح ما اطلعوا على اعتبار الشارع لنوعِه أو جنسه القريب وهو ما جمع شروط القبول في المرسل.
  (ورده الباقلاني وطائفة) من العلماء كابن الحاجب والآمدي مطلقاً كذلك فلا يقبلون من المناسب إلا ما أسند إلى أصل معين لعدم ما يدل على اعتباره، (ففرطوا ولزمهم خلو كثير من الوقائع عن الأحكام) لعدم مساعدة النص وأصل القياس في الكل وأنه باطل، وقد يمنع بطلان الخلو وإن سلم فلا يسلم لزوم خلو الوقائع؛ لأن العمومات والأقيسة ما حدها ولو سلم فإن انتفاء المدارك السمعية مدرك شرعي؛ لأن الحكم عند انتفاء المدارك هو نفي الوجوب والتحريم، وقد أقام المصنف هذا مقام الدلالة، وعليه ما عرفت.
  وقال بعض محققي الأصحاب ما لفظه: يدل على ذلك أن الذي دل على العمل بالقياس في الأحكام الشرعية هو ما تقرر من وجوب تتبع مقاصد الشرع وأغراض الشارع وملاحظة مراده فعلاً وكفاً، وإذا أمكن قيام أمارة فيما ليس له أصل معين مطابقة لمراد الشارع عول عليها كما عول على ذلك في القياس الذي له أصل معين، فجريا مجرى واحد، والجامع بينهما هو تغليب الظن بتعليق غرض الحكيم بوجه أو أمارة.
  ويدل على ذلك: خبر معاذ، وقوله: اجتهد رأيي وأقره ÷ على ذلك والرأي يشمل ماله أصل معين وما ليس كذلك.