الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 445 - الجزء 2

  ويدل على ذلك: ما انتشر عن الصحابة من القول بالرأي والعمل في الحوادث على أحكام لم يرجعوا فيها إلى أصل معين.

  ويدل على ذلك: ما قد ثبت من أحوال عمل الأئمة والقضاة في مقادير الأروش والتعزير وقيم المتلفات ونحو ذلك مما لا يستند إلى أصل معين.

  (والمختار عند أئمتنا والجمهور) من العلماء (قبوله) لما تقدم، وإنما يقبل بأربعة شروط:

  الأول: (إذا كانت المصلحة غير مصادمة لنصوص الشرع) كما في إفتاء الملك بالصوم فإن في ذلك زجراً، ولكنه مصادم لنص الشارع كما تقرر.

  الثاني: إذا كانت المصلحة (ملائمة لقواعد أصوله) بأن لا تكون غريبة وحشية في الشرع كما لو اجتمع جماعة في سفينة ثُمَّ قدرنا أن السفينة أشرفت على الهلاك ودنت للغرق وعلموا أنه لو ألقى في البحر واحد منهم لنجا الكل ولو امتنعوا من ذلك لعمهم الغرق وكانوا كلهم بصدد الهلاك فإن هذه المصلحة غريبة في الشرع لا يجوز العمل عليها، والوجه هو التوكل على الله والتسليم لأمره، فأمَّا الاقتراع فهو خطأ في مثل هذه الصورة فإن فيه إهلاك من لا ذنب له، ولا معنى لإهلاك الواحد للنجاة غيره، فإن مصلحة المهلك فائتة، ومصلحة غيره ليست بأهم في مقصد الشرع من مصلحته ولا وجه لمراعاة القلة والكثرة في مثل هذا.

  الثالث: أن تكون المصلحة (خالصة عن معارض) ينافيها فمتى كانت معارضة بمصلحة مثلها فإنه لا يجوز الاعتماد عليها، وذلك كالضرب للتهمة في السرقة فإنَّها مصلحة لاستخراج المال غير سالمة من المعارض، فإن الأموال وإن كانت معصومة عن الضياع والإهمال، فالنفوس هي أيضاً أحق بالعصمة، وقد يكون هذا المضروب بريئاً عن السرقة، فالهجوم على ضربه إهمال لما يجب من الرعاية لحقه، فإن كانت مصلحة صاحب المال في ضربه رجاء أن يقر بالمال فمصلحة المضروب بترك الضرب له وليس أحدهما أولى من الآخر، وقد أجاز مالك هذا وهو فاسد لا ينبغي الركون إليه.

  الرابع: أن تكون المصلحة (لا أصل لها معين) فإن رجعت إلى أصل معين لم تكن مصلحة مرسلة، وإنما هي قياس من جملة الأقيسة، وهذا كما نقوله في إلحاقنا المثقل بالجارح في وجوب القصاص فإن هذا مردودٌ إلى أصل معين؛ لأنه قتل بآلة يتعقبه هلاك الروح وإبطاله، فوجب فيه القصاص كالقتل بالجارح، فهذا قياس كما ترى.