الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  (واشترط الغزالي في قبوله) شروطاً ثلاثة:
  الأوَّل: (كون المصلحة ضرورية) قال الأسنوي: وهي التي تكون من إحدى الضروريات الخمس وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب.
  وقيل: هي ما يكون معها زهوق الروح - يعني مع عدم مراعاة تلك المصلحة - (لا حاجية) وهي ما يكون منها لحفظ الأموال والأعضاء والأعراض إلى غير ذلك مما يحتاج إليه ولا يتضرر بفقده، ولا زهوق هنالك للأرواح حيث لم تراع تلك المصلحة.
  (و) الثاني: كون المصلحة (كلية) وهي التي تكون موجبة لفائدة عامة للمسلمين، [وجعلها العضد في مقابلة الجزئية، وقال في التلويح: أي لاتكون مختصة بشخص](١).
  (و) الثالث: أن المصلحة (قطعية) لا ظنية، قال الأسنوي: وهي التي نجزم بحصول المصلحة فيها.
  (وأمثلته) أي المناسب المرسل (كثيرة):
  (منها: قتل المسلم المترس به) أي الذي يترس الكفار الصائلون به، وهذا من أمثلة الغزالي، لكن إنما يجوز إذا علم أن المسلمين إن لم يرموهم اصطلموهم، واستولوا على ديارهم، وقتلوا المسلمين كافة حتَّى الترس، وإن رموا اندفع قطعاً، فعند ذلك يجوز رميهم لما فيه من دفع المفسدة الكبيرة، وإن أفضى إلى قتل الترس؛ إذ ذلك ملائم لتصرفات الشرع؛ لأنه قد روعي فيها دفع المفسدة الكبيرة بفعل المفسدة اليسيرة، كقطع اليد المستأكلة والفصد والحجامة لسلامة الجسد، بخلاف قلعة يترسوا فيها بمسلمين فإن فتحها ليس في محل الضرورة، وكذا رمي بعض المسلمين من السفينة في البحر لنجاة بعض، وكذا إذا خاف الاستئصال توهماً لا يقيناً.
  (و) منها: (عدم قبول توبة الملاحدة، كالباطنية) فإن توبتهم - عند المنصور بالله ومالك وأبي يوسف والجصاص والغزالي، واختاره القاضي عبد الله بن حسن الدواري - لا تقبل، ولا يصير بذلك محقون الدم، بل يسفك ويقتل؛ إذ مذهبه ودينه جواز التقية، وحسن التظهر بغير ما أجنته الطوية، فلو اعتبرنا توبته وقبلناها لم يمكن زجر ملحد أصلاً، والشرع ملتفت إلى الزجر عن المعاصي على سبيل الجملة، وليس كذلك حال سائر فرق الكفر فإنهم لا يدينون بالكذب، وبإظهار ما يعتقدون خلافه سيما العرب، فلقد ألف من حالهم الجموح عن الاستسلام للإسلام والدخول تحته بالقهر
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصلية، وزيادة في النسخة (أ).