الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 447 - الجزء 2

  وإنكار الدين بالكذب، وكانوا يرون بذل المهج في إظهار ما يبطنون لا خلافه، قيل: لما أسرت خيل رسول الله ÷ ثمامة بن أثال الحنفي قال ÷: «أحسنوا أساره»، ولما رجع ÷ إلى أهله قال: «أجمعوا ما عندكم من طعام وابعثوا به إليه»، وأمر بلقحة يغدى عليه بها ويراح، وهو ÷ يفاتحه ليسلم، ويأتيه ÷ فيقول: «أسلمت أسلمت يا ثمامة» فيمتنع ويصد، وقال: يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم، وإن ترد الفداء فاسأل ما شئت، فمكث ثمامة في الأسر ما شاء الله، ثُمَّ أطلقه ÷ فلما أطلقه خرج إلى البقيع فتطهر وأحسن طهوره، ثُمَّ أقبل وبايع النبي ÷ على الإسلام، فهذه طرائق هؤلاءك، فلذا قبلنا منهم الإسلام.

  فالملحد لا تقبل توبته عند هؤلاء لهذا المنهاج، لا لطريق غيره يكون إليه كالمعراج، ومن العلماء من يقبل توبته ويحيل ما في قلبه إلى من يعلم سريرته، لنحو: «هل شققت على سويداء قلبه»، وهذا هو الأظهر، وهو أيضاً قول الأكثر، والمثال إنما يراد للتفهيم لا للتحقيق.

  (و) منها: (تكبيرة بعض أئمتنا أربعاً في صلاة الجنازة) وهو إبراهيم بن عبد الله، فإنه لما مات بعض أصحابه صلى عليه وكبر أربعاً، (اجتهاداً) منه (للتأليف) لمن معه على مذهب الفقهاء، ممن ضل عنهم أن الخلاف في الفروع لا يوجب إكفاراً ولا تفسيقاً، وممن صار معتقداً أن قول الفقهاء الأربعة لا تجوز مخالفته جهلاً وتعطيلاً للدين وتمزيقاً، (واجتهاده الأصلي أنها خمس) ولذلك قال - لما قيل له في ذلك وأنه ترك مذهب آبائه -: (خشيت أن ينتقض عني هذا الجمع)، والأظهر أن هذا من الملغى لمصادمته إجماع أهل البيت $، على ما رواه بعضهم.

  (و) منها: (تقديم المصلحة العامَّة) عند المؤيد بالله والمنصور بالله (كالجهاد على الخاصة كالقود) فلو كان أمير الجيوش وصاحب تدبيرها قد قتل يقيناً عدواناً، ولا يقوم غيره مقامه في مرتبته، بل يخشى من قتله انتشار نظام الجيوش، فإن قتل مثله يؤخر.

  وعند عمر بن الخطاب وجماعة من العلماء أخذاً له من فعله مع جبلة بن الأيهم أن ذلك لا يعتبر، ولذلك قيل:

  تنصرت الأملاك من أجل لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر