الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 449 - الجزء 2

  (و) منها: (اعتداد من انقطع حيضها لا لعارض معلوم)، كالرضاع فإنه يقطع الحيض، ولكنه معلوم فينتظر عود الحيض فيه إجماعاً، (بالأشهر لما في التربص من الضرر بها) لأن فيه إذهاب شبابها وبطلانها عن النكاح بتربص الحيضة، وهذا عند بعضهم، والذي عليه أكثر الفقهاء أنه لا خلاص لها إلا بالتربص فإنه ما من ساعة إلا ويمكن هجوم الحيض عليها فيها ولا سبيل لها إلى الانتقال إلى الاعتداد بالأشهر إلا بعد الإياس وغلبة الظن على انقطاع الحيض ببلوغ مدة الإياس، حتَّى أن أبا حامد الغزالي قد ادعى الإجماع في هذه المسألة على التربص إلى سن الإياس، ونظره الإمام بأن هذه المسألة لم تزل خلافيَّة بين العلماء، ولو كانت إجماعية لما جاز الخلاف بعد انعقاده لأحد منهم، كيف لا وليس فيها إلا التعويل على عموم قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}⁣[البقرة: ٢٢٨]، فيجوز تخصيصه بما ذكرنا، كما خص بإخراج الصغيرة والهرمة، واختار الإمام في هذه المسائل الثلاث أنها محل اجتهاد، وأن من وفّى الاجتهاد حقه فأداه إلى العمل على المصلحة جاز ذلك، وكان حقاً وصواباً، وإن أداه الاجتهاد إلى مخالفة المصلحة فهو صواب أيضاً، فإن رأى المجتهد المصلحة في فسخ العقد في مسالة المفقود ومسالة الوليين كان صادراً عن وجهٍ في الشرع مقبول بلا إشكال، قال: وكيف لا، وقد ذهب إلى ذلك وعول عليه جمع من فقهائنا وبعض أصحاب الشافعي.

  (و) منها إذا خشي على أموال المسلمين من البغاة ونحوهم فإنه يجوز لمن له الولاية (أخذ نصف مال المسلم لدفع من يأخذ كله، وهذه) الصور الأربع (في محل الحاجات)، ولا يخفى كونها منها لما قدمنا في أثناء المسائل:

  أما الأولى: فلما تقدم من حاجة المرأة إلى فسخ نكاحها لما ينالها من الضرر.

  وأما الثانية: فقال الدواري: لأنها لم ترد لحفظ النفس وأبعاضها عن التلف، والضرورية ما كان موضوعها صيانة النفس وأبعاضها إنما هذه المصلحة يراد بها دفع ضرر التألم والقيام بما تحتاج إليه المرأة من المال.

  وأمَّا الثالثة: فلأنه إنما شرعت استصلاحاً لدفع حاجة الزوج والزوجة، أمَّا الزوج فيزول عنه ما يتوجه من توبتها، وأما الزوجة فلما تقدم.

  وأمَّا الرابعة: فلأن الحاجة إلى حفظ الأموال ولا ضرورة في حفظها إذا كانت مما لا بد منه لإقامة الأرواح.