(فصل): [في الطريق إلى معرفة المناسبة والشبهية]
  يجمع على أن حكم الأصل معلل) على سبيل الجملة (من دون) أن ينعقد على (تعين علة) وإلا لكان هو الإجماع وكان أحد الطرق للعلة المؤثرة (ثُمَّ تحصر الأوصاف التي يمكن أنها العلة) في عدد (ويبطل ما لا يصلح) للعلية (بإحدى طرق الإبطال الثلاث وسيأتي) بيانها إنشاء الله تعالى.
  قال سعد الدين: وعند التحقيق راجع إلى التقسيم والسبر إلى الإبطال.
  فإن قيل: المفروض أن الأوصاف كلها صالحة لعلية ذلك الحكم والإبطال نفي لذلك؛ لأن معناه بيان عدم صلوح البعض فيتناقض.
  قلنا: صلوح الكل إنما هو في بادئ الرأي، وعدم صلوح البعض إنما هو بعد النظر والتأمل. انتهى.
  فإذا كان كذلك (فيتعين الباقي لكونه علة)، ومثاله أن نقول في قياس الذرة على البر في تحريم التفاضل - وقد أجمع على أن تحريمه لعلة من غير تعيين للعلة -: بحثت عن أوصاف البر، فما وجدت ثَمَّ ما يصلح علة للربوية في بادئ الرأي إلا الطعم أو القوت والكيل، لكن الطعم والقوت لا يصلح لذلك عند التأمل لجريان تحريم التفاضل في النورة مثلاً مع أنها ليست بمطعومة، وفي الملح مع أنه ليس بقوت فيتعين الكيل.
  (ويكفي) قول المستدل في المناظرة في حصر الأوصاف التي يذكرها (بحثت فلم أجد) سوى هذه الأوصاف.
  قولكم: لعله لم يبحث، أو بحث ووجد ولم يذكره ترويجاً لكلامِه، وإن لم يجد فلا يدل على عدمه.
  قلنا: عدالته وتدينه تقتضي أن نصدقه فيما قاله، وذلك مما يغلب على ظن عدم غيره؛ لأن الأوصاف العقلية والشرعية مما لو كانت لما خفيت على الباحث عنها.
  (أو) يقول: (الأصل عدم ما سواه) فإن ذلك يحصل الظن للمقصود (فإن بين المعترض وصفاً آخر) مثل كون البر خير قوت (لزم) المستدل (إبطاله) ليسلم حصره، وله أن يقول: هذا مما علمت في بادئ الرأي أنه لا يصلح، فما أدخلته في حصري، وأيضاً فلم يدع الحصر قطعاً، بل قال: ما وجدت أو أظن العدم وهو فيه صادق، وإلا يبطله لزم انقطاعه كما أن المجتهد إذا ظهر له وصف آخر فإن ظهر بطلانه فذاك وإلا رجع عما حكم به (لا) أنه يلزم (انقطاع المستدل)، وقيل: إنه ينقطع لأنه قد ادعى حصراً ظهر بطلانه، وهذا حكم المستدل المعارض (والمجتهد) أي الناظر لنفسه (يرجع) في حصر الأوصاف (إلى ظنه) فيأخذ به ولا يكابر نفسه.