الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 456 - الجزء 2

  (فإن كان الإجماع قطعياً وعلم انحصارها) أي الأوصاف (في أقسام معينة) وذلك حيث يتعدد الوصف، ويمكن أن تكون العلة مجموعة أو بعضه، فأمَّا مع اتحاده فلا يمكن السبر؛ لأنه نص (و) علم (أنَّ كلَّها باطلة إلا واحداً منها فهي قطعية) ومثاله التمسك على تكفير المجبرة بأن الإجماع قد وقع على تعليل كفر من قال إنه تعالى ظالم، فلا تخلو العلة من أحد أمرين: إمَّا مجرد اللفظ أو المعنى، وقد أبطل أحدهما ونفى الآخر، هكذا ذكره الفقيه قاسم.

  (وإن كانت الثلاثة) وهي الإجماع والانحصار وأن كلها باطلة إلا واحد منها (ظنية، أو بعضها) ظنياً (فهي ظنية، وحيث يكون السبر بالنفي والإثبات) كقول الشافعي مثلاً: ولاية الإجبار على النكاح، إمّا أن لا يعلل بعلة أصلاً أو يعلل، وعلى التقدير الثاني، فأمَّا أن تكون معللة بالبكارة أو الصغر أوبغيرهما، والأقسام الأربعة باطلة سوى القسم الثاني، وهو التعليل بالبكارة، فأمَّا الأول وهو أن لا تكون معللة، والرابع وهو أن تكون معللة بغير البكارة والصغر فباطلان بالإجماع، فأمَّا الثالث فلأنها لو كانت معللة بالصغر لثبتت الولاية على البنت الصغيرة لوجود العلة وهو باطل بقوله عليه الصلاة والسلام «الثيب أحق بنفسها»، فإذا كان بين النفي والإثبات كما مثلناه (فهو يسمى الحاصر) وهو يفيد القطع إن كان الحصر في الأقسام وإبطال غير المطلوب قطعياً، وذلك قليل في الشرعيات ويسمى في لسان المنطقيين القياس المنفصل، ويسمى قياس التعاند أيضاً.

  ومثاله في العقليات قولنا: العالم لا يخلو حاله إمَّا أن يكون قديماً أو لا، لكنه قد تقرر بالبراهين القاطعة بطلان كونه قديماً، فيجب القضاء بكونه غير قديماً، فيجب القضاء بكونه حادثاً عكس ما قدمنا.

  (وإلا) يكن السبر بالنفي والإثبات (فهو غير الحاصر) ويسمى بالتقسيم المنتشر (و) هذا القسم (لا يفيد العلم) فلا يكون حجة في العقليات، بل في الشرعيات.

  ومثاله في العقليات: ما تقوله الأشعرية - دلالة بزعمهم على أن الله تعالى إنما يرى لكونه موجوداً - إنه قد تقرر أن السواد في نفسه مرئي فلا تخلو رؤيته إمَّا أن تكون لوجوده أو لحدوثه أو لذاته أو لمعنى سوى ذاته، والأقسام كلَّها باطلة إلا كونه موجوداً، وزعموا انحصارها، فإذا كان الله موجوداً كان مرئياً.

  وجوابنا عليهم: أن هذا القسم غير منحصر في النفي والإثبات فلا يتوصل إلى العلم لجواز أمر وراء ما ذكروه هو العلة في صحة رؤية السواد ويقولون عند هذا لا طريق إليه، فيجب نفيه، وهذا هو غاية أمرهم في هذا التقسيم، ولا يخفى في هذه الطريقة من الضعف وفسادها مستكمل في علم الكلام.