الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 457 - الجزء 2

  ومثالُه في الفقهيات قول الشافعي: علة حرمة الربا إمَّا الطعم أو الكيل أو القوت، والثاني والثالث باطلان بالنقض أو بغيره فيتعين الطعم وهو المطلوب، هذا إذا كان قد أجمع على تعليل الأصل، وكان السبر حاصراً أو غير حاصر.

  (فإن لم يكن إجماع على أن حكم الأصل معلل وكان السبر غير حاصر) للأوصاف المتعددة (فعند الجويني أنه ليس بطريق إلى كونها علة؛ لأنه غير مثمر للظن) لأن التقسيم إذا كان متردداً بين معان غير منحصرة فإن من أبطل بعضها لم يتضمن إبطاله إثبات ما لم يبطله، فإنه لا يمتنع أن يكون مالم يتعرض له بالبطلان باطلاً في نفسه، فإذا كان هذا ممكناً بطل أن يكون السبر والتقسيم طريقاً موصلاً.

  وقال (الباقلاني: بل هو طريق إلى كونه علة لإثماره الظن) لأنه لا يخلوا إمَّا أن يكون واقعاً في النظر أو المناظرة: إن كان الأوَّل فالمجتهد لا يعاند نفسه كما قدمناه، فمتى سبر أوصافاً غير منحصرة وغلب على ظنه أن واحدً منها علة بعد إبطال ما عداه فإنه يجوز التعليل به إذا كان غالباً على ظنه، وإن كان الثاني فالذي يتوجه على المعلل أن يسبر هذه الأوصاف كلها، فإذا أبطلها إلا واحداً منها فإنه يستقر قدمه على ما ذكرناه وعلى السائل أن يبرز وصفاً إن كان عنده وفيه ما تقدم، وإن قال السائل: لعل وراء ما ذكرته وصفاً آخر هو العلة ولا يلزمني إظهاره كانت هذه مناظرة قبيحة ينبغي من أهل الدين هجرانها، مع أن الأصل عدم ما ذكر.

  قولك: من الجائز أنه غير معلل؛ لأن من الأحكام ما لا علة له بدليل أن علية الغلبة غير معللة وإلا لزم التسلسل.

  قلنا: الغالب على الأحكام التعليل بالمصالح فيكون ظن التعليل أغلب من ظن عدم التعليل.

  وقال (الإمام) يحيى: المختار عندنا أن التقسيم الذي يكون مشتملاً على أقسام غير منحصرة (محل اجتهاد) فمن غلب على ظنه أن واحداً منها هو العلة بعد إبطال ما عداه، فإنه يجوز له العمل عليه، أمَّا إذا كان السبر حاصراً فإنهما يتفقان على أنه طريق إلى العلة لأمارة الظن حينئذٍ (ولا يسمى) هذا حينئذ (حجة إجماع) لفقد الإجماع على تعليل الحكم بعلة وذلك ظاهر.

  ولما كان طريق التقسيم والسبر فيها ذكر الإبطال أراد أن يبين بماذا يكون فقال:

  (وطرق إبطال ما عدا الباقي) من الأوصاف (ثلاث):