(فصل): [في الدليل على اعتبار العلل]
  بوقوع المطر في غير وقته من غير سحاب رطب فقد ربط ظنه بأمر لا يربط به العقل بظنونهم، وكان إمَّا كاذباً أو ناقص عقل، فالطارد لثبوت الحكم به لو ربط به نفيه لاستوى في مسلك الظن الثبوت والانتفاء وما كان بهذه الحالة فلا مساغ لتعليق الأحكام به.
  وأيضاً فلو كان معمولاً به لما اشترط في استنباط العلل بلوغ منصب الاجتهاد إذ أخذ من طبقات الخليفة لا يعجز عن استخراج الطرد، واللازم باطل؛ لأن ربط الأحكام بعلل وأسباب لا يكون إلا بأمور مخصوصة لا يهتدي إليها إلا من حاز منصب الاجتهاد.
  (وقبلها) أي العلة الطردية (الحنفية مطلقاً مع اطرادها) لأن الحكم إذا كان ثابتاً مع الوصف في الصور المغايرة لمحل النزاع، ثُمَّ وجد ذلك الوصف بعينه في محل النزاع لزم أن يثبت الحكم فيه للمفرد بالأعم الأغلب، فإن استقراء الشرع يدل على أن النادر في كل باب يلحق بالغالب.
  قلنا: الاستقراء من الصحابة منع القياس إلا فيما كان فيه مناسبة وإيهامها وأنهما منتفيان هنا.
  (و) قبلها (الكرخي في الجدل لا العمل) لأن فيه نوع تمسك فجاز جريه في الجدال؛ إذ يكفي فيه أثر شبهة بخلاف العمل، فلا يجوز أن يؤخذ فيه إلا بما أدى إلى الظن.
  (وقيل: لا تقبل علة مستقلة) لما ذكرناه (بل) إنما يقبل إذا كان الطردي (جزء علة لدفع النقض) الوارد لولا هذا القيد الطردي، وإنما منعناه إذا كان علة مستقلة لعدم الفائدة وها هي هنا قد حصلت، ومثاله سيأتي إنشاء الله تعالى في الاعتراضات، وهذه الصورة هي مسألة أن لا يكون في أوصاف العلة ما لا تأثير له في الحكم، وقد عرفت احتجاجنا هناك فأرجعه إلى هنا.
(فصل): [في الدليل على اعتبار العلل]
  لا بد من دليل يدل على اعتبار العلل، فأمَّا المؤثرة فالسمع دال عليها، فلذلك لم يذكر، وأمَّا غيرها فقد أشار إليه بقوله:
  (ودليل اعتبار) العلل (المستنبطة مناسبة كانت أو شبهية بعد ثبوتها) أي المستنبطة (بإحدى طرقها) الثلاث (المتقدمة) وجهان:
  الأوَّل: أنه انعقد الإجماع من الفقهاء على (أنه لا بد لكل حكم غير تعبدي من علة) إمَّا (وجوباً عند أئمتنا والمعتزلة) لأن ذلك من البيان، والبيان واجب على الله على أصلهم، وفي تعميم النقل عن أئمتنا نظر، لأن هذا إنما هو رأي المتأخرين منهم، (أو عادَة) وذلك على سبيل التفضل (عند الأشعرية).