الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الطرق الفاسدة في إثبات العلة]

صفحة 466 - الجزء 2

  قال القاضي عبد الله: والأولى أن الطردي الذي ذكر بعضهم أنه يعلل به أن يثبت الوصف مع الحكم في الأصل في كل صورة من الأصل ذكر ذلك الغزالي والرازي.

  مثاله: لو علل معلل تحريم الخمر بأنه يزبد ويعلى وعلل معلل تحريم بيع البر متفاضلاً بأنه ممَّا تنبت الأرض وبأنه جسم نام ونحو ذلك، فإن هذه العلل ونحوها مطردة ثابتة في جميع البر والخمر والتعليل بها لا يصح؛ لأن إطراد الوصف يثبت في الشروط وليست بعلل، وكذلك ثبت في كثير من الأوصاف المهجورة التي لا يلتفت الشرع إلى التعليل بها، فإن المعلل لو علل تحريم الخمر بأنه مائع أو ذو رائحة، والبر بأنه جسم ومما يدخر فهذه أوصاف مطردة لا يصح التعليل بها، قال في الحواشي: والأولى كلام غير القاضي عبد الله؛ لأن مرجع ما ذكره إلى عدم تخصيص العلة، وقد تقدم.

  [٢] (أو) قولهم الدليل على صحَّة هذه العلة (عجز الخصم عن إبطالها) فإنه طريق فاسد؛ لأنه ليس جعل العجز عن الإفساد دليلاً على الصحة أولى من جعل العجز عن التصحيح دليلاً على الإفساد، بل هذا أولى؛ لأنا لو أثبتنا كل ما لا يعرف دليلاً على فساده لزمنا إثبات ما لا نهاية له وهو باطل، أما لو لم نثبت كل ما لا نعرف دليلاً على صحته، لزمنا أن لا يثبت ما لا نهاية له، وهو حق.

  [٣] (أو) قولهم الدليل على صحة هذه العلة أن (ما ذكرته تعدية، واعتبار لحكم الأصل بالفرع، فيجب قبوله لاندراجه تحت قوله تعالى: فاعتبروا يا أولي الأبصار) وهذا فاسد، فإن هذه الدلالة على تسليم كونها من البراهين الدالة على أصل القياس وثبوت قاعدته غير دالة على تعيين العلة بالصحّة، والإجماع منعقد على أنه لا بد من دليل خاص على ثبوت تعيين العلة، ولا يكفي حصول الدلالة على أصل القياس.

  ويزيد ما ذكرناه وضوحاً: هو أنه غير ممتنع أن يكون مسلماً لأصل القياس وثبوته، ولكنه ينازع المنازع فيما ادعاه المعلل من كون هذا الوصف المعلل علة، فلا بد من إقامة برهان خاص على قبوله.

  وهكذا لو قال قائل مستدلاً على تصحيح قياسه ما ذكرته تسوية بين الأصل والفرع وتعديل بينهما فيجب اندراجه تحت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} فإن هذا من الطرق النادرة المعدودة في الفساد؛ لأن قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} غير متناول للقياس لا بظهورها ولا بنصها، ولا يفهم منه بحال أصلاً.