الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في مفسدات العلة]

صفحة 468 - الجزء 2

  فالذي من جهة الأصل: (بأن ينتزع من أصل غير قابل للتعليل) كأعداد الركعات واختصاصها بأوقات مخصوصة فإن مثل هذه الأمور لا جريان للقياس فيه بحال، فإن أعدادها واختصاصها محالةٌ على أمورٍ غيبية وأسرار إلاهية استأثر الله بعلمها.

  (أو) تنتزع من أصلٍ (منسوخٍ) لأنه إذا كان منسوخاً لم يكن ثابتاً، وإذا لم يكن ثابتاً تعذّر القياس عليه.

  (أو) تنتزع من أصل (ثابت بالقياس) لأنَّه إذا كان مقيساً على أصل آخر فهو فرع، فالقياس عليه باطل قطعاً، إن لم يكن الجامع هو العلة في الأصل الأول، وإن كان هو تلك العلة فقياس الفرع عليه مع إمكان القياس على الأصل عبث بلا فائدة.

  وزاد الإمام أن يكون الأصل الذي شرع منه العلة ورد الشرع بتخصيصه؛ لأن في القياس عليه إبطالاً للتخصيص المقصود من جهة الشرع كما في شهادة خزيمة ونحو ذلك، وخلاف عائشة محجوج بالإجماع في إقاستها رضاع سائر الناس على رضاع سالم مولى أبي حذيفة، فإنه رضع بعد كبره من امرأة وجاز لها كشف الغطاء له ولكن هذا مخصوص به.

  (و) أمَّا التي (تكون من جهة الفرع) فهي (بأن تكون علة الأصل غير ثابتة فيه) أي في الفرع؛ لأنه إذا لم يكن ثابتة فيه بطل القياس، إذ القياس لتعدية الحكم وليس هذا تعدية.

  ومثالُه: استدلال أصحابنا والشافعي على جواز الاستئجار على الحج بأن فعله يجوز أن يفعله الغير عن الغير من غير عوض، فجاز أن يفعله عنه بالعوض كالخياطة والبناء، فيقول أبو حنيفة لا نسلم جواز فعله للغير عن الغير أصلاً؛ لأن النيابة لا تدخل فيه.

  (أو يكون حكمه) أي الفرع (في قياس الطرد مخالفاً لحكم أصله مطلقاً) أي من غير زيادة أو نقصان (أو بزيادة ونقصان) لأن القياس من شرطه المساواة، ولهذا قيل في حده مساواة فرع لأصل، أمَّا قياس العكس فمن شرطه المخالفة كما عرفت سابقاً.

  ومثال الأول: وهو مخالفة الفرع للأصل مطلقاً قولهم: يشرع في صلاة الخسوف ركوع زائد؛ لأنها صلاة تشرع فيها الجماعة، فتختص بزيادة كصلاة الجمعة فإنها تختص بالخطبة وصلاة العيد تختص بالتكبيرات، والمساواة هاهنا منتفية.

  ومثال الثاني: ما يقوله أبو حنيفة في إسقاط تعيين النية في صوم رمضان تعليلاً بقوله إنه متعين في نفسه فلم يفتقر إلى تعيين، كرد الوديعة، فهذا غير صحيح لكونه مفيداً في الفرع حكماً مخالفاً