الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  لحكم الأصل بوجه ما، ألا ترى أن التعيين ساقط في الأصل مع سقوط النية أيضاً، فلا يجب اعتبار النية ولا التعيين في رد الوديعة بحال خلاف صوم رمضان، فإن التعيين وإن كان ساقطاً على زعمه فإن أصل النية غير ساقطة، بل لا بد من اعتبارها، فلمَّا كان الفرع مختصاً بهذه المخالفة للأصل كان القياس فاسداً لما ذكرناه.
  (و) أمَّا التي تكون (من جهة طريقها) أي العلة فهي (أن يكون إثباتها لا بدليل شرعي بل بمجرد التحكم) من غير قيام دلالة شرعية عليها، فإذا كان كذلك وجب القطع ببطلانها وفسادها؛ لأن القياس أصل من أصول الشريعة ودليل من أدلتها ولا سبيل إلى كونه دليلاً إلا إذا كان على قواعد مستوفياً لجميع شروطه، ومن أعظم قواعده إثبات العلة في الأصل المقيس عليه بدلالة شرعية، فأمَّا إثباتها لمجرد التشهي والتحكم فهذا مما لا تعويل عليه.
  (أو) يكون إثباتها (بدليل عقلي) فإذا كان كذلك وجب القطع ببطلانها؛ إذ لا هداية للعقول إلى تعريف العلل؛ لأن إثبات كون الوصف علة كإثبات الحكم، فكما أنَّ الحكم لا يكون ثابتاً إلا بطريقة شرعية فكذا حال كون الوصف علة لا طريق إليه إلا بالشرع.
  (أو يكون الأصل الذي استنبطت منه معارضاً لقاطع) من كتابٍ أو سنة مقطوع بها أو إجماع كذلك، فمتى كان كذلك وجب القطع ببطلانها؛ لأن هذه الأدلة كلها مقطوع بها ومعلومة فلا يمكن إثبات القياس على مخالفتها ومناقضتها بحال، وكيف يكون كذلك وهي أصل في تقرير قاعدة القياس فيكون معارضاً ودالاً على مناقضتها.
  (و) أمّا التي تكون (من جهة مخالفة وضع القياس وهي إثبات الأصول به) أي بالقياس (كقياس العمل بالقياس وبخبر الواحد على الشهادة) في كون كل منهما مفيد للظن فوجب العمل كالشهادة (ويسمى) في لسان الفقهاء (فساد الاعتبار) فهذا وأمثاله يكون فاسداً لكون قياسه فاسد الوضع والاعتبار، فإن هذه الأصول لا يمكن إثباتها إلا بالطرق الشرعية القاطعة، فأمَّا الأقيسة الظنية فلا سبيل إلى إثباتها بحال.
  فهذه جملة الأمور الدالة على فساد العلة من جهة القطع، ونعني بكونها مقطوعاً بها أنه لا خلاف في كونها مفسدة للعلة على التقرير الذي لخصناه.