(فصل): [في الإستحسان]
  واعلم أنه لا شبهة في أن بعض الحنفية قد قال بهذا المعنى وعلم ذلك منه، وفي أدلتهم ما يشهد بذلك، ولولا أن الأمر هذا عرفته الشافعية منهم لما عظم بينهم اللجاج، واتسع فيما بينهم نطاق الحجاج، ولذلك قال بعض الملاحدة:
  وعقيدة سلمت من الأهوا فلم ... تنسب إلى رأي ولا استحسان
  ولاختيار كلام الحاكم، قال المصنف: (وإنما هو في أمر وزاد ذلك) المقدم ذكره وإلى ذلك أشار بقوله: (واختلف في حده):
  (فعند ابن أبي طالب والمنصور) بالله (والكرخي وأبي عبد الله: أنه العدول بحكم المسألة عن حكم نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى من الأول) وهذه حقيقة جيدة فإن الاستحسان في الاصطلاح إنما يقال ما جاء بخلاف ما يقتضيه القياس، قال سعد الدين: والذي استقر عليه رأي المتأخرين هو أنَّ الاستحسان عبارة عن دليل يقابل القياس الجلي الذي يسبق إلى الأفهام، والمراد بالاستحسان في الغالب قياس خفي يقابل قياساً جلياً. انتهى.
  وقال الآسنوي: والذي ذكره الكرخي حيث دل دليل خاص على إخراج صورة مما دل عليه العام كتخصيص أبي حنيفة قول القائل: مالي صدقة، بالمال الزكوي دون غيره، فإن الدليل الدال على وجوب الوفاء بالنذر يقتضي وجوب التصدق بجميع أمواله عملاً بلفظه، لكن هنا دليل خاص يقتضي العدول عن هذا الحكم بالنسبة إلى غير الزكوي، وهو قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣]، فإن المراد بالمال في الآية هو الزكوي، فليكن لذلك في قول القائل: مالي صدقة، والجامع هو قرينة إضافة الصدقة إلى المال فهي الصورتين.
  واعترض البيضاوي هذا التفسير بأنه يلزم أن يكون التخصيص استحساناً لانطباقه عليه، ولا نزاع في التخصيص.
  وقال (المؤيد) بالله (وبعض الحنفية) الاستحسان العدول (عن موجب قياس إلى قياسٍ أقوى)، قال الرصاص والقاضي عبد الله: وهو باطل لأنهم قد يستحسنون إذا عدلوا إلى نص، كاستحسانهم أن لا قضاء على الصائم إذا أكل ناسياً، يعني أنهم عدلوا عن القياس وهو وجوب القضاء عليه إلى الأثر المروي وهو «من أفطر ناسياً فإنما أطعمه الله وسقاه»، وكاستحسان