الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  أصحابنا في فم الهر إذا أكل نجساً ثُمَّ مر عليها بعد ذلك يوم وليلة فإن فمها يطهر بذلك من دون غسل، وكذلك حكم جميع الأفواه، وهذه مسألة فيها خلاف طويل:
  فقالت: الشافعية لا تطهر إلا بجري الماء إمَّا بأن يعلم ذلك أو يظنه بمضي وقت يغلب في الظن شربها، وجروا في ذلك على سائر المحال النجسة.
  وأصحابنا والحنفية ذهبوا إلى أنَّ الريق يطهر، واختلفوا: فقيل بمضيه ولو لحظة، وبه قال المؤيد بالله في رواية، والحنفية بمضي ليلة، ورواية عن المؤيد بالله، ومنهم من قصر ذلك على فم الهرة، ومنهم من عداه، ومن عداه اختلفوا على ذلك بالنص أو بالقياس.
  وقال (الإمام) يحيى (وأبو الحسين والحفيد وغيرهم) من العلماء الاستحسان (ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه أقوى من المتروك يكون) الوجه الأقوى (في حكم الطارئ عليه) أي على المتروك، فأشار بقوله: ترك وجه من وجوه الاجتهاد إلى أن الواقعة التي اجتهد المجتهدون لها وجوه كثيرة، واحتمالات متعددة، فيأخذ المجتهد بواحد منها، ثُمَّ إنه يعدل إلى ما هو أقوى منه، فقوله: بوجه أقوى متعلق بترك وجه، واحترز بقوله غير شامل شمول الألفاظ عن تخصيص العموم، فإن الوجه الأول فيه شامل شمول الألفاظ، واحترز بقوله يكون في حكم الطارئ عليه عن ترك أضعف القياس؛ لأجل الأقوى فإن أقواها ليس في حكم الطارئ، قال: فإن كان طارئاً عليه فهو الاستحسان.
  ومثال ذلك: العنب فإنه قد ثبت تحريم بيعه بالزبيب سواء كان على رأس الشجر أو لا قياساً على الرطب، ثُمَّ أن الشارع رخص في جواز بيع الرطب على رأس النخل بالتمر فقسنا عليه العنب وتركنا القياس الأوَّل بكون الثاني أقوى، فلما اجتمع في الثاني القوة والطرءآن كان استحساناً.
  قال الآسنوي: وهذا التفسير يقضي أن يكون العدول عن حكم القياس إلى النص الطارئ عليه استحساناً وليس ذلك عند القائلين به، وزاد الإمام بعد قوله شمول الألفاظ ولا ناقل لحكم العقل، قال: لأن مقتضى العقل هو البراءة الأصلية، ولا شك في كونها متروكة لدليل هو أقوى منها من نصٍ أو إجماع أو قياس.
  (وقيل) الاستحسان (تخصيص قياسٍ) بدليل (أقوى منه) مثلاً القياس يقضي بأن المثلي يضمن بمثله، والعمل بخبر المصراة استحسان؛ لأنَّه كخاص ورد على عام والخاص أقوى، قال