الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  الرصاص: وهذا باطل؛ لأنهم قد يعدلون في الاستحسان عن قياس وغير قياس، قال القاضي عبد الله: ولأن الاستحسان قد يكون بأمارة والأمارة لا تسمى دلالة على الصحيح.
  (وقيل) الاستحسان (ترك طريقة إلى أقوى منها) لولاها لوجب الثبات على الأولى، وكان الأنسب في العبارة أن يقال: ترك حكم طريقة إلى حكم طريقة أقوى (ولا نزاع في الجميع) من الحدود في أنها مقبولة إذا كانت بهذه المثابة.
  (وقيل: العدول إلى العادة لمصلحة الناس كدخول الحمام) من غير تعيين زمان المكث ومقدار الماء المسكوب والآجرة، كما روي عن المؤيد كان إذا دخل الحمام للموسم استأجره يوماً بثمن معلوم، واستأجر الحمامي لحفظ الثياب والأول على خلاف الدليل، وكذلك شرب الماء من السقيا من غير تعيين مقدار الماء وبدله.
  (ورد) هذا (بأنها) أي العادة (إن كانت حقاً) بأن جرت في زمان النبي صلى الله عليه أو في عهد الصحابة (فقد قام دليلها) من السنة أو الإجماع فيعمل به قطعاً (وإلا) أي وإن لم تثبت حقيتها (ردت) قطعاً.
  (وقيل) الاستحسان (دليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عبارته عنه) فلا يقدر على إظهاره.
  (ورد بأنه) أي الدليل المذكور (إن تحقق) عند المجتهد ثبوته (فمعتبر) ولا يضر قصور عبارته عنه قطعاً؛ إذ ليس عليه أن يمكنه الحجاج بل العمل بما علمه لعدم توفية الاجتهاد حقه، فأمَّا في مواطن الجدال فهو غير مقبول منه؛ لأنه لا يدرى بمبلغ نظره، ولعله خيال باطل فلا يقوم له به على المناظر حجَّة، (وإلا) يتحقق عنده (فليس بمعتبر) قطعاً؛ إذ لا تثبت الأحكام بمجرد الاحتمال والشك.
  (والمختار وفاقاً للجمهور) من العلماء كابن الحاجب ومتابعة والآسنوي والسبكي وغيرهما (أنَّه لا يتحقق استحسان بمختلف فيه؛ لأن الخلاف إن عاد إلى اللفظ فلا مشاحة في العبارة) لأن ذلك اصطلاحاً منهم ولا حرج فيه، فقد تخصص الشيء بالاسم وإن وجد معنى الاسم في غيره كوضع اسم النحو على الإعراب، والفقه على الفروع، وإن كان كل فن منحواً ومفقوهاً، وإذا كان كذلك فلا مشاحة في العبارة (بعد صحة المعنى من غير إيهام) أن الاستحسان هو مجرد التشهي (وإن عاد إلى المعنى فرجوعه إلى الترجيح بين الأدلة الشرعية وهو متفق عليه، لكن لا بد من دليلين معدول عنه مرجوح، ومعدول إليه راجح) قال المهدي: وسواء كانا قياسين أو قياساً وخبراً.