(فصل): [في الجدل وآدابه]
  لو صحت مقدمات دليلك وهي جارية في الصور الفلانية لوجب أن يثبت الحكم فيها، وإنه غير ثابت، وإجمالاً هو النقض، وقد يقيد بالإجمالي ومنه النقض المذكور في علة القياس.
  وأيضاً: فإن المقدمة إذا منعت وانتهض المستدل لإقامة الدليل فللمعترض منع مقدمات دليله عليها، ومعارضة دليله عليها، والمراد بالمنع ما يعم المنع تفصيلاً وإجمالاً على مقدمات دليل المدعى، أو دليل المقدمة، وبالمعارضة المعارضة لدليل المدعي، أو لدليل المقدمة.
  (ولا يجب معرفتها على المجتهد) لأن الكلام على القياس وما يتصل بذلك قد انطوى عليها، وما لم يندرج تحته منها فهو نظر جدلي يتبع شريعة الجدال التي وضعها الجدليون باصطلاحهم، وذلك خارج عن فن الاجتهاد، (ولذلك) أي ولأنه لا يجب معرفتها على المجتهد (لم يتعرض لذكرها بعض الأصوليين) كابن زيد في الدرر، وتلميذه الراعي في الهداية، والمهدي في معياره.
  قالوا: فإذا لم يتعلق بها فائدة دينية فينبغي أن يشح على الأوقات أن يضيعها بها وبتفصيلها، وإن تعلق بها فائدة من ضم نشر الكلام، ورد كلام المناظرين إلى مجرد الخصام، كيلا يذهب كل واحد عرضاً وطولاً في كلامِه منحرفاً عن مقصد نظره، فهي فائدة ليست من جنس الأصول بل من علم الجدل، فينبغي أن تفرد بالنظر ولا تمزج بالأصول التي هي مقصودها، بدليل طرق الاجتهاد للمجتهدين.
  والحق أن وصفها بقلة الجدوى لا يليق، فإنه يدور على فهمها قطب التحقيق، ويَعِيلُ بإدراكها ونيلها كاهلُ التدقيق، ويبين بها الخالص من المذيق، وإذا عرفت ذلك، وعرفت انهيار ما قاله هؤلاء من المسالك، وعدم تنوير أرجائها من الحالك، فالأولى شرب السلسبيل من كؤوس التحقيق، والتجافي عن سلوك بنيات الطريق.
  والاعتراضات الواردة على قياس العلة (هي عشرة) ولكن من رام في مثل عدد الإعتراضات حصراً عقلياً فقد ركب شططاً، سيما وهو أمر للاصطلاح والمواضعة فيه مدخل، لكن لا بأس بالضبط للتقريب، ولَمِّ ما فيها من التشعيب، وقد اختلف في ترتيبها:
  فقيل: لا ترتيب بينها أصلاً، وقيل: بل بينها ترتيب، ولها ترتيبان:
  الترتيب الأول منهما: يكون واجباً، وفيه قولان: