(فصل): [في الجدل وآدابه]
  الأول: وجوب تقديم الممانعة، لأنها هي الغاية في البعاد عن التعليل، ووجوب تأخير المعارضة، إذ ليس بعد بطلان المعارضة إلا تسليم العلة، ولأنها نصب دلالة بعيدة عن العلة.
  الثاني: تقديم الممانعة على النقض، ووجوب تأخير النقض؛ إذ لا يجوز أن ينقض ثُمَّ يمانع؛ لأن الناقض يدعي وجود العلة من غير حكم لها، والمنع رفع للعلة من أصلها، فإذا مانع بعد المناقضة فقد رجع عما سلم من وجود العلة.
  الترتيب الثاني: يكون مقتضياً للحسن، وهو ما بين الممانعة والمعارضة فتقدم المطالبة على سائر وجوه الاعتراضات؛ لأنه لا وجه لتوجه سائر الاعتراضات إلا بعد ثبات العلة وسلامتها عن المطالبة، ثُمَّ فساد الوضع والاعتبار يتلو المطالبة وتقدم على سائرها؛ لأن حاصله أن المعلل رام بالعلة إثبات نقيض مقتضاها، ثُمَّ القول بالموجب مقدم على سائرها لوضوحه وإبطاله لما قاله المعلل على قرب، ثُمَّ النقض على ما عداه، ثُمَّ الكسر لأنهما متقاربان، ثُمَّ القلب على سائرها؛ لأنه ينزع إلى القول بموجب العلة، ثُمَّ عدم التأثير على الفرق، لأن الفرق يشبه المعارضة ولها حظ التأثير، وهذا الذي ذكرناه ليس ضربة لازب، ولا طريقة أمر واجب، بل هي طريقة استحسان، وتقديم لما على منه الشأن، وربما يلوح للناظر اختصاص في بعضها على بعضٍ بوجوه من القوة فلا عليه في مخالفة ما أشرنا إليه.
[المنع]
  (الأوَّل) من الاعتراضات: (المنع، وقد يكون في الأصل):
  [١] (إما بمنع كونه معللاً: نحو: النبيذ مشتد فهو حرام كالخمر، فيمنع الخصم كون الخمر معللاً).
  [٢] (أو بمنع حكمه): فيقول السائل: أسلم كونه معللاً في الجملة، ولكن لا أسلم حكم الأصل، فلا بد من إقامة البرهان عليه، (ولا ينقطع المستدل بمجرده)، وإنما ينقطع إذا ظهر عجزه عن إثباته بالدليل، وإنما لم يكن قطعاً؛ لأنه ما يعاب من المستدل إلا أن إثباته لحكم الأصل انتقال من إثبات لحكم شرعي إلى آخر، ومثل هذا إنما يصح إذا كان إلى غير ما يتوقف عليه إثبات المطلوب، وليس ها هنا كذلك فلا يقبح، كما لو منع علية العلة، أو وجودها في الأصل أو في الفرع، فإنه يصح فيه أن يثبتها، ولا يعد المنع قطعاً، وقوله (على الأصح) إشارة إلى قول من قال: إنه ينقطع، ولا يُمَكَّن من إثباته بالدليل؛ لأنه انتقال إلى حكم آخر شرعي، الكلام فيه بقدر الكلام في الأول، فقد حيل بين المستدل وبين مرامه، وشغل عنه بغيره، فقد ظفر المعترض بما رام، فإن الحيلولة