(فصل): [في الجدل وآدابه]
  والاشتغال قصارى مطلوبة، وإلى قول الغزالي يتبع في ذلك عرف المكان واصطلاح أهل بلدة المناظرة، فإن عدوه قطعاً فقطع، وإلا فلا، لأنه أمر وضعي لا مدخل فيه للشرع والعقل.
  وإذا قدر تقرر أن المنع يسمع وعلى المستدل إقامة الدليل عليه، فإذا أقام فهل ينقطع المعترض لمجرد إقامة الدليل حتَّى لا يُمكّن من الاعتراض على مقدمات هذا الدليل، أو لا ينقطع، بل له أن يعترض فيه خلاف:
  والمختار أنه لا ينقطع وله أن يعترض، وذلك لأنه لا يلزم من صورة دليله صحته، ولا بد في ثبوت المقدمة الممنوعة من صحته فيطالب ببيان صحته، وذلك بصحة مقدمته وهو معنى المنع.
  قالوا: اشتغال بما هو خارج عن المقصود.
  قلنا: لا نسلم خروجه عن المقصود؛ إذ المقصود لا يحصل إلا به.
  ومثال منع الحكم قوله: (نحو السرقين) وهو الروث (نجس، فلا يباع، كالكلب، فيمنع كون الكلب لا يباع) بل يباع؛ لأنه من جملة الأموال.
  [٣] (أو بمنع وجود علته) أي الأصل فضلاً عن أن يكون من العلة، (نحو الماء مطعوم فيجري فيه الربا كالبر فيمنع كون البر مطعوماً مثلاً).
  وجواب هذا الاعتراض: بأن الوصف في الأصل إنما هو طريق ثبوت مثله، فإذا كان الوصف حسياً فبالحس، أو عقلياً فبالعقل، أو شرعياً فبالشرع، مثلاً أن يقال في القتل بالمثقل: قتل عمد عدوان، فلو قيل في المقيس عليه وهو القتل بالسيف، لا نسلم أنه قتل بالحس، ولو قيل: لا نسلم أنه عمد، قال: معلوم عقلاً بأمارته، ولو قال لا نسلم أنه عمد عدوان، قال: لأن الشرع حرمه.
  [٤] (أو بمنع كونها) أي العلة (علة وإن وجدت فيه) قال ابن الحاجب: وهو من أعظم الأسئلة لعمومه في الأقيسة، إذ العلية قل ما تكون قطعية، ولتشعب مسالك العلية، فتتعدد طرق الانتقال. انتهى.
  وعلى كل واحد منها أبحاث ستقف عليها إن شاء الله تعالى، فيطول القال والقيل فيه ما لا يطول في غيره، ومن استقرى ذلك علمه.
  (نحو السفرجل، وإن سلم أنه مطعوم كالبر فلا نسلم أن الطُّعم) بالضم (علة الربا) وقد اختلف في كون منع العلية مقبولاً، والصحيح أنه مقبول، وإلا أدى إلى التمسك بكل طردي، ويؤدي إلى اللعب فيضيع القياس؛ إذ لا يفيد ظناً وتكون المناظرة عبثاً.