الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  قالوا: القياس حده وحقيقته أنه إلحاق فرع بأصل لجامع، وقد حصل، وإذا ثبت مدعاة فلا يكلف إثبات ما لم يدعه.
  قلنا: لا نسلم أن حده ذلك، بل هو إلحاق فرع بأصل بجامع يظن صحته، وهذا القيد معتبر في حد القياس اتفاقاً ولم يوجد.
  ولمَّا تقرر أن هذا المنع مسموع، فالجواب إثبات العلة بمسلك من مسالكها المتقدمة، وكل مسلك تمسك به فيرد عليه ما يليق به من الأسئلة المخصوصة به، ولينبه هاهنا على اعتراضات الأدلة الأخرى ويتبعه اعتراضات القياس ولو اتسع النطاق بعض الاتساع؛ لأن البحث كما يقع في القياس يقع في سائر الأدلة ومعرفة هذه الأسئلة نافعة في الموضعين.
  فنقول: الأسئلة بحسب ما يرد عليه من الكتاب والسنة والإجماع وتخريج المناط أربعة أصناف:
  الصنف الأوَّل على ظاهر الكتاب: إذا استدل في مسالة بيع الغائب بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وهو يدل على صحة كل بيع، والاعتراض عليه من وجوه:
  الأوَّل: الاستفسار، نحو أن يقول: ما معنى أحل فإنه يقال: بمعنى أورده في محله، وبمعنى جعله حلالاً غير حرام.
  الثاني: منع ظهوره في الدلالة على ما ذكرتم، فإنه قد خرج عنه مثل بيع الملاقيح، والمضامين، وبيع الخمر، والخنزير، وبيع أمهات الأولاد باتفاق منكم، أو منع أن اللام للاستغراق، ولم لا يجوز أن تكون للعهد الخارجي أو الذهني.
  الثالث: التأويل، وهو وإن كان ظاهراً فيما ذكرت لكن يجب صرفه عنه إلى مجمل مرجوح بدليل يصيره راجحاً، نحو قوله «نهى عن بيع الغرر»، وهذا أقوى؛ لأنه عام فيه لم يتطرق إليه تخصيص، أو التخصيص فيه أقل.
  الرابع: الإجمال، فإن ما ذكرناه من النهي عن بيع الغرر، وإنه أقوى لعدم تخصيصه أو لعلته، وإن لم يجعل المجمل المرجو راجحاً فلا أقل من أن يعارض الظهور فيبقى مجملاً.
  الخامس: المعارضة بآية أخرى، نحو قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وهذا لم يتحقق فيه الرضا فيكون باطلاً.