الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  ومثالُه: ما نقوله في وجوب القصاص في الطرف مع الاشتراك فيه تعليلاً بقولنا: جناية يشرع فيها القصاص على جهة الردع والزجر يوجب رعاية ذلك في كل واحد منهم دليله الاشتراك في النفوس، فإن هذا كما ترى لا يخلو من المناسبة.
  فيقول القالب: جناية شرع فيها القصاص على جهة الردع والزجر، فوجب أن يكفي فيها المِثل كما نقوله في سائر المتلفات من الأمثال، فكل واحدٍ من العلة وقلبها غير خال عن المناسبة كما ترى، فإن الأوَّل قد لوحظ فيه بلوغ الغاية في نهاية الزجر في حسم هذه المادة، وفي القلب لوحظ العدل والنصفة في مقابلة الشيء بمثله من غير زيادةٍ، وكلاهما مقصود للشرع.
  واختلف في القلب هل يكون مفسداً للعلة أو لا؟.
  (والمختار أنه مفسد للعلة) عن بعض أصحاب الشافعي أنه من القلب ما يجري في المناظرة، وأدخل في فساد العلة، وزعم قوم من الفقهاء أن القلب ليس سؤالاً صحيحاً، لأن الغالب لا يتمكن من القلب إلا لفرض مسألة على المعلل، وفي ذلك خروجها عن المقصود الأوَّل، ويؤدي إلى انتشار النظر، ويدعوا إلى كثرة الكلام من غير فائدة، وهذا فاسد، فإنَ المقصود بالقلب هو إبطال ما جاء به المعلل علة وإفساده، فكما جاز ذلك بالمعارضة والنقض وسائر الوجوه المبطلة للعلة، فهكذا يكون بالقلب.
  واختار الإمام فيه تفصيلاً: وهو أنه ليس يخلو حال القلب من وجهين:
  أحدهما: أن يكون حكمه جارياً عن بعث المناقضة لحكم ما نصبه المستدل علة بحيث يكون أحدهما نافياً أو مثبتاً لما أثبته الآخر أو نفاه، فهذا قادح في العلية للمناقضة التي فيه. ومثاله تقدم وهو القسم الأولَّ.
  وثانيهما: أن يكون حكم القلب غير جارٍ على جهة المناقضة، وهذا لا يقدح كقول الشافعي في الاكتفاء في مسح الرأس بالأقل، عضو من أعضاء الطهارة فلا يتقدر فرضه بالربع، قياساً على سائر الأعضاء، فيقول أبو حنيفة: عضو من أعضاء الطهارة فلا يكتفى فيه بأقل ما ينطلق فيه الاسم كأعضاء الطهارة، فهذا غير مناقض لمقصود المعلل؛ لأن مقصود المعلل نفي التقدير بالربع كما قاله الشافعي، ونقيضه وجوب تقديره بالربع كما قاله أبو حنيفة.
  والثالث: لا يكون متمكناً من ذلك، ولهذا لا يمتنع توسط مذهب ثالث كما هو مذهبنا ومالك وهو وجوبُ الاستيعاب.