الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الجدل وآدابه]

صفحة 494 - الجزء 2

  واختار القاضي الباقلاني رد القلب المبهم الذي لا تسوية فيه؛ لأن المبهم قاصر النظر والمصرح تام النظر، ولا يعارض نظر قاصر نظراً تاماً.

  ويؤيد ذلك: أن النظر القاصر لا يكون مناطاً للحكم ولا متعلقاً له، وهذا فاسد؛ لأن المقصود من إثبات القلب وتعيينه علة إنما هو القدح فيما أتى به المعلل، فإذا ظهر تلاقي القلب والعلة على جهة المناقضة فقد ظهر غرض القادح، وهذا حاصل في الإيهام.

  ومنهم من جعل المعلل علة والعلة معلل غير قادح؛ لأن العلل الشرعية علامات الأحكام وأمارة لها، فيجوز جعل كل من الحكمين أمارة على الآخر، فيقال: من صح طلاقه صح ظهاره وبالعكس، فهذا فاسد؛ لأن كل واحد منهما إذا جعل علة للآخر يتوقف ثبوت أحدهما على الآخر كما لو قيل: لا أدخل هذه الدار حتَّى أدخل هذه ولا أدخل هذه حتَّى أدخل هذه، فإنهما لا يحصلان ولا واحد منهما، وهاهنا متى جعلنا الظهار علة الطلاق فهو غير حاصل في حق الذمي؛ إذ فيه وقع النزاع.

  ومن العلماء من أنكر إمكان القلب محتجاً عليه بأنه لما اشترط فيه إيجاد الأصل المقيس عليه مع الاختلاف في الحكم لزم منه اجتماع الحكمين المتنافيين في أصل واحد وهو محال.

  وجوابه: أن التنافي بين الحكمين إنما حصل في الفرع فقط لأمر عارض وهو اجتماع الخصمين على أن الثابت فيه إنما هو أحد الحكمين فقط، وأمَّا اجتماعهما في الأصل فمستحيل؛ لأن ذات الحكمين غير متنافية.

  وجواب القلب بالمنع والنقض وعدم التأثير وفساد الوضع والاعتبار وغير ذلك من الاعتراضات؛ إذ لا مانع من توجه كل منهما على القلب لإفساده، وإذا فسد كانت العلة صحيحة.

تنبيه

  هل يجزي قلب القلب؟

  قيل: لا كالنقض فإنه لا ينقض، وقيل نعم كالمعارضة فإنه يجوز إفساد المعارضة بمثلها ويتميز القلب عن المعارضة بأن كل واحد من العلتين المتعارضتين يستند كل واحد منهما إلى العقل لا يشهد للأخرى بخلاف ما نقوله في العلة وقلبها فإنهما يسندان إلى أصل واحد.