(فصل): [في الجدل وآدابه]
  على حالة، وهذا لا يضر، وكل سؤال لا يتمكن المعلل من الاعتراف بمقتضاه مع الاستمرار على مقصده من العلة فليس قادحاً عليه بحال، وإنما القادح ما يكون متعرضاً لإبطال مقصوده.
  نعم، قال الإمام: إذا تمكن الفارق من إبطال ما ذكره المعلل من الجمع فهذا لعمري يكون سؤالاً مقبولاً، وليس فرقاً على الحقيقة، وإنما هو جزم لما جاء به المعلل وإبطال حقيقته، وإذا تمكن المعترض من ذلك فلا حاجة به إلى الفرق، وإنما الفرق هو الواقع بعد سلامة الجمع.
  (والمختار: قبوله إن أخرج الجامع عن المناسبة والشبة وألحقه بالطرد) المهجور (وإلاَّ) يخرجه عنهما (فلا) يقبل، وإذا كان بالصفة الأولى، قال الإمام: فلا يؤثر فيه خلاف بين الجدليين ولا يتضح ما ذكرناه إلا بإيراد أمثلة ثلاثة متفاوتة في إبطال فقد الجمع:
  فمنها: ما يكون ظاهراً جلياً، ومنها: ما يكون خفياً، ومنها: ما يكون متوسطاً:
  الأوَّل: كقول أبي حنيفة في إفادة الملك بالبيع الفاسد وفرق الشافعي المقدم.
  والثاني: ما قدمناه أيضاً عن أصحابنا والشافعي في وجوب الزكاة في مال الصبي.
  والثالث: نحو أن يستدل أبو حنيفة على ترك النية في الوضوء بأنها طهارة بالماء فلا يفتقر إلى نية كإزالة النجاسة، فيقول أصحابنا والشافعي المعنى في الأصل أنها طهارة بالماء عينية، والوضوء طهارة حكمية، فالمثالان الأولان مقدران على الإحالة، وهذا على الاشتباه؛ لأن الناظرين في وجوب اشتراط النية في الوضوء لم يظهروا مناسبة، فكان الجمع والفرق في محل النظر والاجتهاد.
دقيقة
  إذا تمكن الفارق من إبداء معنى في الأصل يغاير معنى المعلل، ثُمَّ عكسه في الفرع من غير زيادة فهذا هو الفرق الذي فرغنا من تحقيقه، فإن احتاج الفارق إلى إبداء زيادة في جانب الفرع فهل يقبل أو لا؟
  فمنهم من شرعها؛ لأن الفرق عنده معاوضة وهي غير مانعة من الزيادة.
  ومنهم من منع اعتماداً على أن الغرض المقصود من العرف إبطال فقد الجمع، وهذا حاصل بذكر المعنى في الأصل وعكسه في الفرع من غير زيادة في جانب الفرع.
  ومثال ذلك: استدلال أبي حنيفة على عدم النية في الوضوء بأنه طهارة بالماء فلم تكن النية من شرطها كالطهارة من النجاسة، فيقول الشافعي: المعنى في الأصل أنها وصلة إلى الصلاة فلم