الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  الأول: (أصول الدين خلافاً للأكثر) منهم الإمام والمهدي في قديم قوليه، فزعموا أنه ليس من علوم الاجتهاد؛ لأنه إنما هو شرط في صحة العقيدة عندهم، لأن الأحكام الشرعية يستفاد من دلائلها، لمن جزم بحقيقة الإسلام على سبيل التقليد، والمختار هو الأوَّل، (لتوقف صحة الاستدلال بالسمع عليه) أي على علم الكلام؛ لأن الاستدلال بالسمع متوقف على معرفة الباري، وصدق المبلغ ولا يتأتى معرفة ذلك إلا بعلم الكلام، كل ذلك بأدلته الإجمالية، وإن لم يقدر على التحقيق والتفصيل على ما هو دأب المتبحرين في علم الكلام، وقال الغزالي في المستصفى: وليس هذا شرط لذاته، لكنه يقع من ضرورة نصب الاجتهاد، فإنه لا يبلغ رتبة الاجتهاد في العلم إلا وقد قرع سمعه أدلة خلق العالم، وأوصاف الخالق، وبعثة الرسول، وإعجاز القرآن، فإن كل ذلك مشتمل عليه كتاب الله، وذلك يحصل للمعرفة الحقيقة مجاور بصاحبه حد التقليد، وإن لم يمارس صاحبه صيغة الكلام فهذا من لوازم منصب الاجتهاد.
  (و) الثاني: (أصول الفقه) لاشتماله على معرفة أحكام العموم والخصوص والمجمل والمبين والظاهر والمأوَّل والناسخ والمنسوخ وما يقتضيه الأمر والنهي من الوجوب والتحريم والفور والتكرار وغير ذلك، إذ لم يمكن استنباط الأحكام الشرعيَّة عن أدلتها إلا بمعرفة جميع ذلك، قال الرازي: وهو أهم العلوم للمجتهدين - يعني لأن الحاجة ماسة إليه في جميع الحالات -، (ومنه) أي من وصل الفقه (القياس، والمراد أركانه) الأربعة الأصل والفرع والعلة والحكم، (وما يختص بكل منها من الشروط، وخواص العلة) والتقصي عن الاعتراضات ونحو ذلك مما أسلفناه.
  (ومنكره) أي القياس (الجامع لما عداه من علوم الاجتهاد: قيل: مجتهد) وعليه بناء السبكي واختاره الشيخ جمال الدين الدواري، (وقيل: ليس بمجتهد) وإليه ذهب الباقلاني والغزالي لخروج بعض الأحكام عليه، (وقيل) هو مجتهد (إلا منكر الجلي) فيخرج بإنكاره لظهور جموده.
  (و) الثالث: (الكتاب) العزيز (والمراد آيات الأحكام وهي خمسمائة) آية قيل: والمراد بالآية هنا الكلام المرتبط بعضه ببعض وإن كان أكثر من آية اصطلاحية، وهذه هي التي يؤخذ الأحكام من طواها وصرائحها، فأمَّا ما يستنبط من معاني سائر القرآن من الأحكام فهي كثيرة واسعة كما فعله الحاكم، فأمَّا ما نقله القيرواني في المستوعب عن الشافعي أنه شرط حفظ جميع الأحكام، فمخالف لما رواه المحققون كالرازي، قال الآسنوي: والاقتصار على بعض القرآن