الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  واشترط بعضهم: الذكورة لنقصان النساء، وبعضهم الحرية لاشتغال العبد بخدمة سيده، وقد أشرنا إلى رد ذلك.
  واشتراط بعضهم الفروع؛ ولأن منصب الاجتهاد في زماننا إنما يحصل بممارسة الفروع وهي طريق إليه في هذا الزمان، ولم يكن الطريق في زمن الصحابة ذلك، ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة.
  واشترط صاحب الجمع معرفة أسباب النزول وأحوال الرواة وسير الصحابة، لأن الخبرة بأسباب النزول ترشد إلى فهم المراد، ومعرفة أحوال الرواة توجب تقديم المقبول على المردود، فإنه إذا لم يكن خبيراً بذلك قد يعكس، ويؤخذ من ذكره لمعرفة سير الصحابة أن مذهبه أنهم كغيرهم في الجرح والتعديل، وإن قد تقدم له خلافه.
  واشترط الإمام والقرشي والغزالي والبيضاوي معرفة الحد والبرهان ليعرف كيفية تركيب مقدمات ذلك، واستنتاج المظنون منها لنأمن الخطأ.
  (وبالغ بعض متأخري سادتنا) كالسيد العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم، (و) بعض متأخري (الفقهاء) كالرافعي والنووي وابن الصلاح، (و) بعض متأخري (الأصوليين: في تبعيد الاجتهاد، حتَّى كادوا يحيلونه) قال ابن العراف: قال أئمة الدين وأرباب الورع كالرافعي وغيره: الناس في هذا الوقت مجمعون على أنَّه لا مجتهد مستقل، وعزيز وجود المجتهد المقلَّد، ولو منعنا التقليد للمجتهدين لتركنا الناس حيارى، (وهو خلاف قول الجمهور) قال القاضي عبد الله: والأمر في تحصيل علوم الاجتهاد قريب، يدركه الطالب في مدةٍ أقل من قراءة كتاب بسيط أوسط في زماننا من الكتب التي تعلق أهل الوقت في زماننا بقراءتها، وجهدوا فيها على ما يلقى إليهم.
  وقال في الغيث: والعجب من علماء ذوي بصائر يدعون أن الاجتهاد قد صار متعذراً، مع اطلاعهم على نصوص كثيرة من العلماء قديماً وحديثاً، أن المعتبر في الاجتهاد لا يزيد على ما ذكرناه، فأين المتعذر؟!، بل هو على طالبه أيسر من طلب ما قد فرعه الأئمة السابقون، فإن تفريعهم قد بلغ في الاتساع مبلغاً عظيماً فلو اشتغل طالبه بطلب الاجتهاد بلغه في مدة أقصر من مدة نقله لما فرعوه، فصار بذلك غنياً عنهم، رفيعاً عن وهطة التقليد.