(فصل): يذكر فيه تعبد النبي ÷ بالإجتهاد
  الاجتهاد مرة، والعمل على النص أخرى، وكذا الرسول لعدم الفارق، وأيضاً لو لم يجز لم يقع، وقد وقع كما سيأتي إنشاء الله تعالى.
  قالوا: تجويز ذلك يؤدي إلى التنفير عنه؛ لأنه لو جاز له الاجتهاد لجاز مخالفته؛ لأن ما قاله حينئذ من أحكام الاجتهاد، وجواز المخالفة من أحكام الاجتهاد، إذ لا قطع بأنه حكم الله تعالى؛ لاحتمال الإصابَة والخطأ، وفي ذلك من التنفير ما لا يخفى.
  قلنا: قولك يؤدي إلى التنفير ممنوع؛ إذ مخالفته والحال هذه لا تجوز لاقتران قاطع يمنع جواز المخالفة، وهو قوله: كما أن إجماع الأمَّة إذا انعقد عن الاجتهاد فإنه يحرم مخالفته لاقتران قاطع بذلك، فلا يكون جواز المخالفة من لوازم أحكام الاجتهاد مطلقاً، بل حيث لم يقترن به قاطع فلا يلزم جواز مخالفته ÷.
  (واختلف المجوزون) له عقلاً واختلف (في وقوعه شرعاً) هل وقع اجتهاده أو لا؟:
  (فقيل: وقع قطعاً) وهو كلام الآمدي وابن الحاجب ومقتضى اختيار الرازي وأتباعه.
  (وقيل: لم يقع قطعاً، وهو إطلاق الهادي #، وتوقف الإمام) يحيى (وأبو الحسين والشيخ) الحسن (وحفيده) في الوقوع وعدمه، وهو المختار.
  لنا: لا دليل قطعي على الوقوع إلا في الآراء والحروب وأمور الدنيا كما تقدم، وما عدا ذلك فلا دليل قطعي على وقوع الاجتهاد فيه، بل ولا ظني؛ إذ الأصل عدمه، ولا مانع من ذلك.
  قالوا: قال تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} عاتبه على حكمه، ومثل ذلك لا يكون فيما علم بالوحي، وقال ÷: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سبقت الهدى»، وسوق البدن حكم شرعي، أي لو علمت أولاً ما علمت آخراً لما فعلت، ومثل ذلك لا يستقيم إلا فيما عمل بالرأي.
  قلنا: لا نسلم أن سوق الهدى كان عن اجتهاد، بل كان مخيراً بين القران والإفراد، فهو كخصال الكفارة، وليس اختيار شيء من ذلك يطلق عليه الاجتهاد، سلمنا دلالته على الاجتهاد فهو خبر آحادي، وهو ظنيّ، ومدعاكم القطع.
  قولكم: ومثل ذلك لا يستقيم إلا فيما عمل بالرأي، غير مسلم، بل فيه وفيما ذكرناه.