الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي

صفحة 519 - الجزء 2

  المنكرون للوقوع، قالوا: قال تعالى في حقّه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}⁣[النجم]، وهو ظاهر في العموم، وأن كل ما نطق به فهو عن وحي وهو ينفي الاجتهاد.

  قلنا: إن الظاهر رد ما كانوا يقولونه في القرآن إنه افتراء، فيخص بما بلغه ويبقى العموم، وإن سلمنا ثبوت العموم بناء على أن خصوص السبب لا يوجب خصوص الحكم، فإنه ليس هاهنا ما يقتضي التخصيص بما يبلغه، فلا نسلم أن عموم قوله تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣} بناء في جواز اجتهاده، فإن تعبده بالاجتهاد إذا كان بالوحي كان نطقه بالحكم المجتهد فيه نطقاً عن الوحي الإلهي لا عن الهوى.

  (والمختار تفريعاً عن الوقوع و) على (أن الحق في واحد: أنه لا يجوز عليه ÷ الخطأ في اجتهاده) فأمَّا إذا قلنا: إن المصيب كل مجتهد فلا خطأ وهو ظاهر.

  (وقيل: يجوز) عليه الخطأ، (و) لكن (لا يقر عليه) وهذا اختيار ابن الحاجب، ونقله الآمدي عن أكثر الشافعية والحنابلة وأصحاب الحديث، (بخلاف غيره) من الناس (فيقر) عليه.

  (وقيل) يجوز عليه الخطأ (ويقر) عليه.

  لنا: أنا مأمورون باتباعه ÷، فلو جاز عليه الخطأ لوجب علينا اتباعه فيه، وضعَّف هذا الدليل الآسنوي بأن الخصم يمنع أو يقر على الخطأ حتَّى يمضي زمان يمكن اتباعه فيه، ويوجب التنبيه عليه قبل ذلك فلا يتصور وجوب اتباعه منه.

  قلت: وكلامه حق بالنظر إلى قول من قال لا يقر، وأمَّا بالنظر إلى قول من قال ويقر فلا.

  ولنا أيضاً: منصب النبوة ينزه عن الخطأ في الأحكام؛ ولأن الأمة لا يجوز عليها الخطأ وهو أولى.

  احتج القائلون بجواز الخطأ عليه، ولكن لا يقر، بأشياء:

  منها: قوله تعالى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}، وقوله تعالى في حق أسارى بدر {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}⁣[الأنفال: ٦٧]، فإن عمر قد أشار بقتلهم فلم يقتلهم النبي ÷، وبقوله # «إنما أحكم بالظاهر».

  قلت: والجواب عن هذه مشكل.

  احتج القائلون: بأنه يقر عليه بأنه حكم بما أداه إليه نظره وكلفه الله به، وإن كان في الباطن خطأ ففرض ذلك الاجتهاد.