(فصل): [في حكم المصيب والمخطئ في القطعيات والظنيات]
  الحكم به شرعي وإلا يعلم من ضرورة الدين فمخطئ آثم مبتدع، كما في مسالة الرؤية، وخلق القرآن، وإرادة الكائنات وأمثالها، ولا يلزم الكفر.
  نعم، وبين الأصوليين اختلاف في تكفير أهل الأهواء والبدع وموضع استيفاء ذلك غير هذا المحل من علم الكلام.
  وقال (الجاحظ: لا إثم على المجتهد المخالف) الطالب للحق مع أنه مخطئ، (بخلاف المعاند) فإنه آثم، (ومراده إن كان) المخالف (من أهل القبلة لا مطلقاً) أي من أهل القبلة وغيرهم من أهل الملل الكفرية، وقوله (على الأصح) إشارة إلى حكاية بعضهم عنه من أنه أراد مطلقاً، وهو غير سديد على ما ذكره سعد الدين التفتازاني وغيره، وكيف يتصور من المسلم الخلاف في خطأ مثل اليهود والنصارى.
  وظاهر احتجاج ابن الحاجب والمهدي وغيرهما على الجاحظ أن مراد الجاحظ مطلقاً، قال ابن الحاجب بعد ذكره لقوله: لنا: إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف على قتل الكفار وقتالهم، وأنهم من أهل النار، بدعوتهم بذلك إلى النجاة، ولا يفرقون بين معاند ومجتهد، بل يقطعون بأنهم لا يعاندون الحق عند ظهوره لهم، بل يعتقدون دينهم الباطل عن نظر واجتهاد، ولو كانوا غير آثمين لما ساغ ذلك.
  (و) الجاحظ (وافقه) على اعتقاد الخطأ مع عدم التأثيم لأهل القبلة (أبو مضر) من الزيدية، (والرازي) من الأشعرية، ولم يصرح به في المحصول، إنما ذكر أدلة الجمهور وأدلة المخالف وأجوبته على الجمهور، ولم يذكر أجوبة الجمهور عليه.
  (وقال) عبد الله (العنبري وداود) الظاهري: (بل كل) مجتهد فيها (مصيب) فالجبري فيها مصيب كالعدلي، والمرجئي مصيب كالوعيدي ونحو ذلك.
  لنا: إن أراد وقوع معتقده حتَّى يلزم من اعتقاده قدم العالم وحدوثه اجتماع القدم والحدوث فخروج من المعقول؛ إذ استحالة ذلك من قضايا العقول، وإن أراد حسنه حتَّى يلزم من اعتقاد إمكان رؤية الصانع وامتناعها حسن كل منهما، فعدول عن النهج القويم؛ لأن أحد الاعتقادين مخالف للحقيقة غير موافق لما في الواقع، فهو جهل قطعاً، لأنه اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به، وقبح الجهل معلوم ضرورة كالظلم والكذب، فأنَّى له الحسن.
  قالوا: تكليفهم بنقيض اجتهادهم تكليف بما لا يطاق، وهو ممتنع، إمَّا كونه تكليفاً بما لا يطاق؛ فلأن المقدور بالذات هو الاجتهاد والنظر لكونهما من قبيل الأفعال دون الاعتقاد، فإنه