الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  ليس بمقدور لكونه من الصفات والكيفيات النفسية دون الأفعال الاختيارية وما يؤدي إليه الاجتهاد حصوله بعد الاجتهاد ضروري، واعتقاد خلافه ممتنع، وأمَّا كون التكليف بما لا يطاق ممتنعاً، فلتظافر دليل العقل والسمع على امتناعه وعلى عدم وقوعِه.
  قلنا: لا نسلم أن اعتقاد نقيض معتقدهم غير مقدور، بل ما داموا معتقدين يمتنع أن يعتقدوا خلافه، وذلك لا يوجب كون الفعل ممتنعاً عنهم غير مقدور لهم، فإن الممتنع الذي لا يجوز التكليف به ما لا يتأتى عادة كالطيران وحمل الجبل، وأمَّا ما كلفوهم به فهو القول بالعدل، وهو متأتٍ منهم، ومعتادٌ حصوله من غيرهم ومثله لا يكون مستحيلاً.
  قال المهدي: والتحقيق في تجويز محل النزاع بيننا وبين العنبري أن خلافه راجع إلى كيفية التكليف بالمعارف الدينية كمعرفة الباري وصفاتِه، فعنده أن المطلوب منا فيها الظن بمعنى أن حكم الله تعالى في حق كل واحدٍ منا هو ما أداه اجتهاده إليه، وعندنا أن المطلوب فيها العلم. انتهى.
  قلت: وسنقف على ما يصلح رداً عليه في هذا الموضع حين نتكلم على امتناع التقليد في العقليات إن شاء الله تعالى.
  (والظني العقلي خلافه) أي القطعي، فهو ما لم يدل عليه قاطع من جهة الضرورة، أو لم يثبته إليها بواسطة، ولم يسكن عنده النفس عند البهاشمة، فلا يكفر ولا يفسق مخالفه.
  (والقطعي السمعي تقدم تحقيقه) فلا حاجَة إلى إعادتِه، (ومخالفه مخطئ آثم، كافر إن علم من ضرورة الدين كأصول الشرائع) شهادة أن لا إله إلاَّ الله والصلاة والزكاة والصوم والحجَّ التي يبنى الإسلام عليها، ومثل تحريم الزنا والسرقة والخمر، (وإلا) يعلم من ضرورة الدين (فمخطئ، والظني السمعي خلافه) كما تقدم، فلا يكون مخالفه مخطئ ولا كافر.
  (و) الظني (يعمل به في الأحكام التي لا تثبت إلا بقاطع كالكفر والفسق) فإنهما لا يثبتان إلا بقاطع، وقد عمل بالظني فيهما (فيقتل من شهد عليه عدلان بردة)، للإجماع القاطع على أنه يجب الإكفار عند حصول ذلك، لا أنه يجوز اعتقاد كونه كافراً في نفس الأمر، بل في ظاهر الشرع، ولهذا هَمَّ صلى الله عليه بالغزو حتَّى نزل {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} فاعتمد ÷ الآحاد في ذلك وأمر بالتثبت مع نقل الفاسق فقط، (ويقطع من شهدا عليه بسرقة) وهي فسق لما سبق،