الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي

صفحة 528 - الجزء 2

  نعم، وما ذكر في تفسير الأشبه ليس لازماً بيناً، فضلاً عن أن يكون ذاتياً، فلا يصلح بتعريف الحقيقة وتمييزها، بل بمجرد تصوير مفهوم لفظ الأشبه بالنسبة إلى عرف ذلك.

  (ونقل عن الفقهاء الأربعة التصويب والتخطئة، وقول قدماء أئمتنا وفعلهم يقتضي التصويب كمتأخريهم) أمَّا قولهم فهو أنهم لم يصرحوا بالتخطئة، وأمَّا فعلهم فالتولي لمخالفهم في الأقوال يدل على عدم تخطئته، وفيه تأمل.

  (وقد يقع في كلام بعضهم) كالهادي والناصر (ما يقتضي التخطئة) فإنَّ الهادي شدد في الأحكام في اتباعه، وكذا الناصر كان يشدد في كثير من المسائل، وقد تأول ذلك بأنه يجب على كل من قلدهما أن لا يعمل بخلاف قول مقلده، ولا يسوغ خلاف ذلك؛ لأنه يؤدي إلى أن الحق في واحد وهو لا يستقيم في أصولهما.

  (و) ما يقتضي التخطئة (هو رأي بعض شيعتهم، ولذلك كانت القاسمية من الديلم والناصرية من الجيل يخطئ بعضهم بعضاً زمن المهدي أبي عبد الله) محمد (بن الداعي) الحسن بن القاسم (فأوضح لهم أن كل مجتهد مصيب، وكذلك كان جمهور اليحيوية باليمن يخطئون مخالف يحيى) كالقاضي عبدالملك بن غطريف الصائدي وغيره، فإنه نافر القاسم بن علي العياني لما ظهر منه مخالفة يحيى في الفروع، والمؤيد كذلك نافرته اليحيوية والناصرية، وأظهروا منه البراءة، ولم تزل التخطئة في اليحيوية لمن خالفه (إلى زمن المتوكل) على الله (أحمد بن سليمان #) فقطعها بالقول أن كل مجتهد مصيب.

  لنا: على أن كل مجتهد مصيب إجماع الصحابة على التصويب، وذلك لأن المعلوم من كل واحدٍ من الصحابة عدم التأثيم لمن عول وعرج، على خلاف ما سلك من المنهج، وعدم التخطئة له، مع أن ما اختلفوا فيه من المسائل لا يحصى كثره، كما في الميراث وغيره، ولم ينقض أحدهم حكم الآخر حيث خالف اجتهاده، ولو كان ذلك كما زعم الخصوم - على تنوع مقالتهم - لوقع ذلك كله أو بعضه، من جميعهم أو بعضهم، ولو على سبيل الشذوذ والندور، فلما لم يتفق على مر الأعصار والدهور، علم أن انتفاء ذلك إنما كان لأن كل مجتهد مصيب، فكان إجماعاً منهم على التصويب، فاقتضى ما ذكرناه أنهم يرون أن كل مجتهد مصيبٌ؛ إذ لو لم نقدر ذلك كان إجماعاً منهم على الخطأ، وقد علمت أن الأمة لا تجمع على الخطأ.