الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  وقد ينازع في صحة وضع هذا الدليل، فإن المسألة قطعية ومن معظم مباحث هذا الفن فلا بد فيها من دليل قطعي، وما ذكرتموه من نقل اختلافهم من دون تأثيم وتخطئة ونقض أخبار آحاد، لو صحت فغايتها الظن.
  سلمنا صحتها، لكن لا نسلم دلالتها على التصويب إلا لو كان الخطأ عند الخصم ما يقال في مقابلة الصواب؛ إذ هذا الذي يجب إنكاره، لكنه عندهم ما يقال في مقابلة الإصابة، ولعل من يقول بالتأثيم منهم يقول بأنه معفو عنه، فلا يجب إنكاره.
  سلمنا دلالته على التصويب وأن الخطأ في مقابلة الصواب، لكنه إنما نقل ذلك عن بعض الصحابة، فلا يكون دليلاً.
  سلمنا أن ذلك كافٍ لكن إذا لم يقع نكير، ولا نسلم نفي الإنكار، كيف وقد ادعى الخصم على الاحتجاج على خلاف ما ادعيتم إجماع الصحابة كما سنبين ذلك عن بعضهم إن شاء الله تعالى، ولم ينكره الباقون.
  سلمنا عدم الإنكار ظاهراً، لكنه لا يدل على الموافقة؛ إذ لعلهم أنكروا باطناً ولم يظهروا، لما مر في الإجماع السكوتي من الأسباب الباعثة إلى السكوت.
  ولنا أيضاً: قوله ÷ «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، ولو كان بعضهم مخطئاً في اجتهاده لم يكن في متابعته هُدى، فإنَّ العمل بغير حكم الله ضلال.
  واعترض: بأن كونه ضلالاً من وجهٍ لا يمنع كونه هدى من وجهٍ آخر، وهذا هدى؛ لأنه قد فعل ما يجب عليه سواء كان مجتهداً أو مقلداً فيجب العمل بالاجتهاد للمجتهد ولمقلده.
  ولنا أيضاً: قوله تعالى {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ٧٨ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء: ٧٨ - ٧٩]، فلو كان أحدهما خطأ لم يكن الذي قاله عن علم، ولقائل أن يقول: لو كان كل مجتهدٍ مصيب لم يقل ففهمناها سليمان.
  سلمنا: فلم يقل حكماً وعلماً في تلك الحادثة، فيجوز أن يكون المراد إيتاؤهما علوم الاجتهاد، وذلك لا يقتضي الإصابة.