الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  في بطنها، فقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان: إنما أنت مؤدب لا نرى عليك شيئاً -: (إن كانا قد اجتهدا فقد أخطئا، وإن لم يجتهدا فقد غشاك)، من الغش وهو الخيانة، وروي عن أبي بكر أنه قال في الكلالة: أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وكذلك قال عمر لكاتبه أكتب: فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن عمر، وقول عائشة للمرأة التي سألتها: بئس ما اشتريت أبلغي زيداً أن الله أحبط جهاده مع رسول الله ÷، وروي عن الهادي والناصر التشديد في عدم مخالفتهما.
  قلنا: الجواب قول المؤلف (وما ورد عن الوصي أو غيره من الصحابة وغيرهم مما يقتضي خلاف التصويب، فمتأول) بأنَّ المراد بالخطأ حيث يكون هناك تقصير، وعدم استيفاء النظر، وإبلاغ الجهد في ظن الصواب.
  واعلم: أنه وإن أمكن تأويل شيء من هذه الكلامات، فلا يمكن تأويل مثل قول علي #: (ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثُمَّ ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثُمَّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيُصوب آرائهم جميعاً، والاههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله سبحانه وتعالى بخلاف فأطاعوه؟! أم نهاهم عنه فعصوه؟! أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله تعالى ديناً تاماً فقصر ÷ عن تبليغه وآدائه؟ والله سبحانه يقول {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨]، وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]، وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً، وأنه لا اختلاف فيه فقال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}[النساء: ٨٢]، وإنَّ القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلماء إلا به.
  نعم، ولعمري لو ترك في هذه المسألة الاعتساف، وركب على مطية الإنصاف، لعرف أن الحق قول بعض الفقهاء والأصوليين يدل على ذلك هذا.
  وقوله ÷ «من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر»، فصرح بالتخطئة فيهما، وقوله ÷: «اقض بينهما - يعني الخصمين - فإن أصبت فلك عشر حسنات، وإن أخطأت فلك حسنة واحدة».