الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  فإن قيل: لا دلالة في الخبرين؛ لأن الخطأ متصور عند القائلين بأن كل مجتهد مصيب، وذلك عند عدم استفراغ الوسع، فإن كان ذلك مع العلم بالتقصير فهو مخطئ آثم، أو بغيره فغير آثم، فلعل هذه الصورة هي المرادة من الحديث، أو لعل المراد منه ما إذا كان في المسألة نص أو إجماع أو قياس خلي، ولكن طلبه المجتهد واستفرغ فيه وسعه ولم يجده، فإنَّ الخطأ في هذه الصورة أيضاً متصور عندهم.
  قلنا: إن وقع الاجتهاد المتعين فيما ذكرتموه فقد ثبت المدعى وهو خطأ بعض المجتهدين في الجملة، وإن لم يقع فلا يجوز حمل الحديث عليه، لما تقرر من وجوب حمل اللفظ على الشرع ثم العرفي ثم اللغوي.
  القائلون بالأشبه، قالوا: لولم يكن في المسألة أشبه لبطل الطلب للأقوى من الإمارات؛ إذ لا أقوى مع نفي الأشبه؛ لأن نتيجة الأقوى وطلبه ليس بشيء غير العبور على الحكم، الذي هو أليق وأنسب بما يعتبره الشارع في الأحكام وذلك هو ما أردناه بالأشبه فيلزم من انتفاء الأشبه انتقاء طلب الأقوى، لأن طلب الشيء فرع ثبوته؛ لأن إثبات طالب ولا مطلوب له محال، فإذا انتفى انتفى طلبه، وثبوت طلب الأقوى معلوم قطعاً، ومجمع عليه، فيكون الأشبه ثابتاً قطعاً، وهو المطلوب.
  قلنا: قولكم طلب الشيء فرع ثبوته، مسلَّم، لكنه إنما يتم الدليل به لو ثبت أن الأقوى حاصل قبل الطلب، والفرض وجدانه، وهذا هو محل النزاع، فإن مطلوب كل واحدٍ عندنا، وتكليفه تحصيل حكم يغلب على ظنه من النظر في الأمارات، واعتقاد الرجحان باستفراغ الوسع ببذل تمام الطاقة في تعريف الحكم، بحيث يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه حتَّى يظنَّ أن ذلك أليق بما يعتبره الشارع، فمتى بذل جهده فهو مراد الله منه، وهو في هذا الوجه موجود في الذهن، وذلك القدر يكفي في توجه الطلب نحو الأقوى، فإن أردتم بالأشبه حصول أقوى الأمارات في ظنه عاد النزاع لفظياً في تسمية ذلك أشبه، وكان طريق ثبوته النقل لغة، ولم يثبت، وإن أردتم به ثبوت حكم لله في الحادثة، كما يقول المخطئة، كر على أصلكم وهو التصويب بالإبطال، وقد علمت أن ما استنبط من غيره فلزم منه بطلان ذلك الغير فهو باطل، فبطل القول بالأشبه.
  واعلم أن أدلة الفريقين في هذه المسألة متكاثرة، ومقالاتهم فيها متطاولة وافرة، وعلى كل من القبيلين إشكالات ظاهرة، والخطوات عن ترقي حل أكثرها قاصرة.
  (و) لذلك (قال الشهرستاني: وهذه المسالة مشكلة، وقضية معضلة) فلنقتصر عن تطويل المقال، وعن نشر ما بينهما من الجدال، وفيما ذكرنا كفاية للطالب، ومنبهٌ للراغب.