الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أسباب الإختلاف في المسائل]

صفحة 534 - الجزء 2

  لكن هل فيه حينئذ مراد معين أو لا؟.

  إن قلنا بالتصويب: فإنه لا يراد واحد معين منها، (و) إنما (يراد من كل) واحد منا (ما فهمه) من اللفظ، وإن اختلفت الأحكام بحسب اختلاف المفهوم، لجواز تعلق مصلحة كل بما فهمه، ولا جرم أن المصلحة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأوقات.

  وإن قلنا بتخطئة البعض: فإنه يحتمل أن يريد من الجميع واحداً معيناً، فمن أصابه فهو المصيب، ومن أخطأه فهو مخطئ، ويحتمل أن يراد من كل ما وصفوه.

  وأيضاً فقد وقع، دليله التوجه إلى الكعبة مع اللبس.

  ومنع من هذا بعضهم: محتجاً بأنه يؤدي إلى التعبد بأحكام متنافية، وذلك يمنع منه العقل والشرع؛ لأن الأقاويل المختلفة قد يكون بعضها مناقضاً لبعض، نحو كون الشيء حراماً وحلالاً، ونحو كونه حلالاً وفاسداً فلا يصح التعبد بمثل ذلك، ولا يكون صواباً كما في المسائل الإلهية، وكما لا يصح في عدد مخصوص أن يكون عشرة ثمانية ولا وجه لذلك، واستحالته تنافي الأحكام، كذلك الأحكام الشرعية المتنافية لا يصح التعبد بها أجمع وتصويب القائلين بذلك.

  قلنا: إنما استحال ما ذكرتموه في المسائل الإلهية والعدد المخصوص؛ لأن هذه الأوصاف والصفات راجعة إلى الشيء الموصوف في نفسه، وثبوت الصفة له والوصف وجلاوة ذلك متناقض متدافع، فلم يجز إثبات التعبد بذلك، ولا يصح القول بصحته، بخلاف مسائل الاجتهاد، فإن التحريم والتحليل والصحة والفساد ونحو ذلك لا يرجع بشيء فيه إلا ذات ذلك الشيء، بل المرجع بتحريم الشيء إلى أنه ليس للقادر عليه فعله، وبتحليله إلى أن للقادر عليه فعله، وهذان والحكمان يرجعان إلى القادرين، ولم يحصل ذلك لقادر واحد.

  (وعلى المجتهد العمل بأقوى الأمارات) فيسند إليها حكم الحادثة؛ لأنه إما أن يطلب بنظره الدليل أو الأمارة، وليس يجوز أن يكون مطلوبه الظفر بدليل؛ لأن من يقول بذلك:

  إمَّا أن يقول على أعيان الفروع أدلة وهو فاسد؛ لأن أكثر الفروع ليس عليها نصوص قرآن ولا أخبار متواترة ولا إجماع، وإنما ثبت بأخبار الآحاد ومقاييس مظنونة العلل، وكثير من الفروع وإن تناولتها الآيات، فإنها لما كانت تعارضها أخبار الآحاد ومقاييس يخصصها صار بذلك من مسائل الاجتهاد.