الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أسباب الإختلاف في المسائل]

صفحة 537 - الجزء 2

  وأمَّا رجوع عمر فذلك تغير اجتهاد، ولم ينقض به ما قد كان حكم به، والآية تقول بموجبها؛ إذ القياس طريق شرعي.

  وقال الغزالي: الصحيح أنه لا ينقض، لأنا لا ندري هل حكم لرده خبر الواحد، أو حكم بالقياس لدليل آخر ظهر له.

  قال الغزالي: فإن علمنا أنه حكم لذلك لا لغيره وكانت المسألة مع ذلك ظنية اجتهادية، فلا ينبغي أن ينقض لأنه ليس لله تعالى في المسألة الظنية حكم معين، فقد حكم بما هو حكم لله تعالى على قول بعض المجتهدين، فإن أخطأ في الطرق فليس مخطئاً في نفس الحكم، بل حكم في محل الاجتهاد.

  وقال (الأصم: ينقض) الإجتهاد (بتغير الإجتهاد) الأول للثاني (أو بحكم حاكم آخر) بناء على قاعدته من أن على المسألة الاجتهادية دليلاً قاطعاً، وهو قول ظاهر السقوط، (والأظهر منهما أن حكم الحاكم المقلد كذلك) لا ينقض باجتهاد، إلا بمخالفة قاطع نص عليه الإمام في العمدة، قال: وإلا لم يستقر حكم ولم يتواجد بما في يده أصلاً لجواز نقضه بحكم آخر، وفي هذا إشارة إلى جواز كون الحاكم مقلداً، وأنه لا يشترط في الحاكم، وفيه خلاف مبين في الفروع، والصحيح أن الإجتهاد شرط فيه، بما سيأتي في المفتي، ولقوله تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}⁣[المائدة: ٤٩]، {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}⁣[النساء: ١٠٥]، والمقلِّد لم يحكم إلا بقول مقلَّده، وبما أراه مقلَّده، ولا نأمن فيه الخطأ، ولغير ذلك مما هو معروف في غير هذا الموضع.

فرع

  وقد خالفت الحنفية نصوصاً نافية، كالنكاح بغير ولي، وبيع أم الولد، ومنع شفعة الجار، وقبول شهادة الفاسق، وإبطال القصاص في القتل بالمثقل، فقال بعض أصحاب الشافعي: ينقض حكمهم بها لمخالفة النص، وقال بعض أصحاب الشافعي: لا إذ القياس فيها جلي، وقال الإمام: لا ينقض لتصويب الآراء في الاجتهاديات؛ ولأن النصوص التي ألفوها معارضة مع القياس بنصوص.

فرع آخر

  لو تزوج المجتهد امرأة بغير ولي عند ظنه صحته، ثُمَّ تغير اجتهاده فرآه غير جائر، فقد اختلف فيه:

  فقيل: بتحريمه مطلقاً، إذ لو لم يحكم بتحريمه، كان ذلك المجتهد مستديماً لما يعتقد تحريمه وهو باطل.