الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في التفويض]

صفحة 539 - الجزء 2

  يختار ما فيه المصلحة، فتكون المصلحة لازمة لما يختاره وإن جهل المصلحة، كما أنها لازمة لما يظنه في الاجتهاديات عندكم، ولم يلزم ذلك انتفاؤها.

  قلنا: لو جوزنا ذلك لجاز أن يصير الظلم والكذب والعبث مصالح بأن يوجدها نبي أو مجتهد، وذلك معلوم البطلان، وأمَّا لزوم المصلحة لما يظنه المجتهد، فلأن الدليل القاطع ناهض على تحتم العمل بالمظنون من ذلك، وهو يقتضي حصول المصلحة مع الظن، وليس العاري عن الظن كذلك، هكذا قيل، وقد يمتنع اقتضاء جواز ذلك أن يصير الظن ونحوه من المصالح؛ لأن الكلام فيما لا نص فيه ولا دلالة، وقد قامت الدلالة القاطعَة على أن مثل ذلك من المفاسد، فأين هذا من ذاك، ولو قدر عدم النص لم يلزم الإقدام؛ لأنه إنما يكون فيه مصلحة لثبوت العصمة عن الإقدام على ما فيه مفسدة، ويمنع أيضاً وجود الفارق بين ذلك وبين الظن بما ذكرتم، فإن الكلام في الجواز لا في الوقوع، وذلك إنما يقتضي الافتراق في الوقوع، بل والاستواء في الجواز.

  وأمَّا في الوقوع فقالوا: أولاً: قال تعالى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}⁣[آل عمران: ٩٣]، ولا يتصور تحريمه على نفسه إلا بتفويض التحريم إليه، وإلا كان المحرم هو الله.

  قلنا: لا نسلم أنه لا يتصور تحريم إلا بالتفويض، بل قد يحرم على نفسه بدليل ظني.

  قالوا: ثانياً: قال ÷ «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك»، وهو صريح في أنَّ الأمر وعدمه إليه.

  وأنه سئل في حجَّة الوداع أحجنا هذا لعامنا أم للأبد، فقال: «بل للأبد، ولو قلت نعم لوجب»، وهو صريح في أنَّ قوله المجرد من غير وحي يوجب.

  وأنه لما قتل النظر بن الحارث تصبراً قالت أخته قتيلة بنت الحارث:

  يا راكباً إن الأثيل مظنة ... في صبح خامسةٍ وأنت موفق

  أبلغ بها ميتاً بأن نجيبه ... ما إن تزال بها النجائب تخفق

  مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخنق

  هل يسمعن النَّظرُ إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق

  أمحمد يا خير ظن كريمة ... في قومها والفحل فحل معرق

  ما كان ضرك لو مننت وربما ... مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق

  أو كنت قابل فدية فلننفقن ... ما عز ما يعلو به ما ننفق