(فصل): [في أحكام الفتيا]
  فالنظر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتقاً يعتق
  ظلت تسوق بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق
  صبراً يقاد إلى المنية متعساً ... رشف المفند وهو عان موثق
  فيقال والله أعلم: أن رسول الله ÷ لما بلغه هذا الشعر رق لها وبكى، وقال: «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه»، ثُمَّ قال: «لا يقتل قرشي بعدها صبراً»، فدل على أن الحكم كان مفوضاً إلى رأيه، إذ لو كان مأموراً بقتله لقتله سمع شعرها أو لا.
  قلنا: يجوز أن يكون قد خير في هذه الصور على التعيين بأن قيل له: لك أن تأمر بالسواك وأن لا تأمر، وأن تجعل الحج للعام وللأبد، وأن تقتل النظر بن الحارث وأن لا تقتله.
  قال سعد الدين: ولا يلزم من ذلك جواز التفويض مطلقاً.
  احتج الإمام: بحجة مؤيس على الجواز.
  القائلون بجوازه للنبي، قالوا: كان ذلك للنبي لعلمه سبحانه أنه لا يختار إلا الصواب بخلاف غيره.
  قلنا: لا نسلم ذلك؛ إذ لا هداية له تبخيتاً إلى معرفة المصالح والمفاسد.
(فصل): [في أحكام الفتيا]
  (والفتيا) من قولهم استفتيت الفقيه في مسألة فأفتاني، والاسم الفتيا والفتوى، وهي بالتخفيف على وزن العليا، لكن ياء العليا منقلبة عن واو دون ياء الفتيا، وقد يروى بالتشديد وفتح التاء الفوقانية، ولعلها على هذه الرواية تصغير فتوى كثُريا تصغير ثروى، قلبت الواو ياء عند التصغير، لسكون الياء قبلها، ثُمَّ أدغمت الياء في الياء، وهي (فرض كفاية)، إذا قام بها البعض سقطت عن البعض، (وآدابها كالقضاء) فلا يفتي غضبان ولا جائع، ولا في حالةٍ خاطرُهُ متشوش، ولا يقبل على بعضٍ دون بعض، ولا يؤخر مقدماً، ولا يقدم مؤخراً، وغير لك مما هو معروف.
  (وتعين) الفتوى أي تصير بعد أن كانت فرض كفاية فرض عين (على من لم يوجد غيره) يقوم مقامه فيها، (وتكره المسارعة إليها) وذلك لخطرها، ولذلك جاء عن غير واحدٍ من الأئمة وغيرهم الرجوع عما أفتوا به.
  وحكى في بعض سير المؤيد بالله أنه قال: وددت أني أتمكن مما أفتيت به فأغرقه، وروي عنه أنه أفتى في بقرة ثُمَّ أمر منادياً ينادي ليتعرف صاحبها؛ لأنه وقع في نفسه أنه قصر فيها فيرجع عنها،