الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أحكام الفتيا]

صفحة 541 - الجزء 2

  ولهذا كانت الصحابة ¤ يحيل بعضهم على بعضٍ يحترزون عن استعمال الرأي والقياس، مع مشاهدتهم للتنزيل، ومعرفتهم بالتأويل، وهي عظيمة الخطر، فلا ينبغي أن يسارع إليها، (سيما في) المسائل (الخلافيات التي وقع فيها التعارض المستوي) طرفاه، (والمتقارب) أي الذي بعضه أرجح من بعض بيسير، (ولم يتضح فيها الأمر) فإن الإرتباك في ما هذا حاله فهو آتٍ في النار، ولهذا قال أمير المؤمنين: (من قال في الجد برأيه فليتقحم جراثيم جهنم)، فإنه لم يُرد إلا إذا قال فيه من غير إيضاح أمر، وإلا فإنه # قد قال فيه برأيه، ولكن عن بصيرة ونظر.

  (وإنما يُستفتى مجتهدٌ عدلٌ تصريحاً وتأويلاً) لأنه إذا لم يكن مجتهداً لم يمكنه الوصول إلى معرفة حكم الحادثة ولا الدراية بحالها، وإذا لم يكن عدلاً لم يؤمن منه أن يقول فيها بغير الصواب، ويقال: هذا عدل تصريحاً فقط، وتصريحاً وتأويلاً معاً، ولا يقال: عدل تأويلاً؛ لأنه مهما لم يكن عدل تصريح سقطت عدالة التأويل، ويصح أن يقال: كافر تأويل فقط؛ لأنه يصح أن يكون كافراً من جهة التأويل لا من جهة التصريح، ولا يصح أن يكون عدلاً من جهة التأويل لا من جهة التصريح.

  (ويكفي) من يريد التقليد (المغرب) عن حال هذا الذي يريد تقليده في معرفة الصلاحيّة، أن يرى (انتصابه) أي انتصاب هذا العالم (لها) أي للفتيا حيث يرى الناس يأخذون عنه، فإن ذلك طريق إلى غلبة الظن بصلاحيته، إذا كان انتصابه (من غير قدح ممن يعتد به) فأما مع القدح منه فإنه لا يكفي من قبل من الناس، اللهم إلا أن يُعارضه مُعارض يخبر عن كونه من أهل الاجتهاد والدين، فإنه يعدل في ذلك إلى ترجيح الأخبار بعضها ببعض، فأمَّا من لا يعتد به فلا يضر قدحه كما تقدم في الأخبار.

  وقال (المهدي): لا بد مع انتصابه للفتيا أن يكون (في بلد شوكته) وهي أمر دولته (لإمام حق لا يرى جواز استفتاء المتأول) أي فاسق التأويل أو كافره؛ لأنه مهما لم يكن كذلك لم يأمن المستفتي الذي يحرم عنده تقليد فاسق التأويل أن يكون هذا المنتصب فاسق تأويل أو كافر تأويل عنده، فلا يجوز له الأخذ عنه؛ إذ لا يحصل غلبة ظن بصلاحيته حينئذ؛ لأنه قد انتصب في أكثر الأمصار بل الأقطار للفتيا كفار التأويل وفساقهم، فلا يأمن المنتصب أن يكون كذلك، ومهما لم يكن كذلك لم يحصل له ظن بعدالته، وإذا لم يحصل الظن بأنه ممن يجوز تقليده لم يجز تقليده.

  قال المهدي: فأمَّا إذا كان البلد الذي هو فيه كما ذكرنا فإنه يغلب في الظن أنه ليس كذلك.

  وإنما قال (المغرب)؛ لأنه لو اختبره وعرف صلاحيته جاز الأخذ عنه، وإن لم يأخذ عنه غيره.