الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  (و) المجتهد (لا) يجوز أن (يفتي فيما يحكم فيه)، لأن ذلك مظنة تهمة من (أن) حكمه بهذا لأجل سبق فتواه به.
  (ولا يلزمه تعريف مستند الفتيا، عند أئمتنا والجمهور) من العلماء (خلافاً للجعفرين) جعفر بن بشر، وجعفر بن حرب فزعما أنه يجب عليه تعريف المستند، وظاهر نقل أصحابنا أن خلاف الجعفرين مطلقاً، وابن الحاجب حكى أن الخلاف في حق من يعلم بعض علوم الاجتهاد.
  (وقيل: إن كان) مستند الاجتهاد (خفياً لم يجب) التعريف به، وإن كان ظاهراً وجب، والقائل بذلك صاحب جمع الجوامع.
  لنا: أن العلماء لم يزالوا يستفتون فيفتون ويتبعون من غير إبداء المستند، وشاع وذاع ولم ينكر عليهم، فكان إجماعاً.
  احتجا: بأنَّ القول بذلك يؤدي إلى وجوب اتباع الخطأ؛ لأن الخطأ جائز الوقوع، وعلى تقدير وقوعه يجب اتباعه.
  قلنا: قد قلتم إن المجتهد لو أبدى للعامي مستنده فإنه يجب عليه اتباعه، مع أن احتمال الخطأ بحاله لكون البيان ظنياً، وكذلك المجتهد يجب عليه اتباع اجتهاده مع احتمال الخطأ، فما هو جوابكم فهو جوابنا.
  والحل هو أنا إن قلنا بالتصويب فاندفاع ذلك واضح؛ إذ لا خطأ، وإن لم نقل به، فإنَّ الحكم المجتهد فيه متصف بأنه مظنون، وبأنه خطأ، فمن حيث أنه مظنون يجب اتباعه، ومن حيث أنه خطأ يحرم، ولا امتناع في ذلك، وإنما الممتنع وجوب اتباع الخطأ من حيث أنه خطأ، كما ينبني عليه ترتب الحكم وهو الوجوب، على الوصف وهو الخطأ، في قولك يجب اتباع الخطأ.
  احتج صاحب الجمع: بأنه إذا كان بحيث يقصر فهمه عنه لا يجب عليه صوناً لنفسه عن التعب فيما لا يفيد.
  ويعتذر له بخفاء المدرك عليه، وهو وفاق فلا جواب، وإن كان لا يقصر فهمه وجب عليه؛ لأنه ليس بعبث، لأن التعريف له مفيد، والجواب يعرف مما سبق.
  (وللمستفتي سؤاله) أي المفتي (عنه) أي المستند (استرشاداً) أي طلباً لإرشاد نفسه، بأن يذعن للقبول ببيان المأخذ، لا تعنتاً.
  وهل للمفتي إذا سئل عما عنده أن يخير المستفتي بينه وبين قول غيره؟.