الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): هل لغير المجتهد أن يفتي بمذهب مجتهد؟

صفحة 548 - الجزء 2

  (وعند القاضي) عبد الجبار (والحفيد: لا يجوز مطلقاً) كذلك.

  (وقيل: يجوز) له أن يفتي بمذهب المجتهد، سواء كان له اطلاع على المأخذ وأهلية النظر أو لا، لكن لا مطلقاً بل (إذا عدم المجتهد) المفرع على نصوصه، وأمَّا مع وجوده في تلك الناحية فلا؛ إذ لا يعدل عن الأقوى إلى الأضعف.

  قال الشارح العلامة: وهذا مذهب غريب لم يقل به في شيء من الكتب.

  (وقيل: يجوز) له الإفتاء (إذا كان مطلعاً على المأخذ) أهلاً للنظر في التخريج، وأريد بمن هو مطلع على المأخذ: أهل النظر بعض أصحاب المذهب ممن له ملكة الاقتدار على استنباط الفروع من الأصول التي مهدها الإمام، والعرفان بدلالة الخطاب والساقط منها والمأخوذ به ووجوه الترجيح؛ إذ لا يخرج إلا من مفهوم خطاب أو قياس، ويسمى هذا بالمجتهد في المذهب كما سبق، فأمَّا الذين يفتون بما حفظوا ووجدوه في كتب الأصحاب، فالظاهر أنهم كالنقلة والرواة، وينبني قبول أقوالهم على حصول شرائط الراوي وإلى ما ذكرنا يشير بعضهم حيث يقول: والمختار: أنه إن كان مجتهداً في المذهب بحيث يكون مطلعاً على مآخذ المجتهد المطلق الذي يقلده وهو قادر على التفريع على قواعد إمَامِه، متمكن من الفرق والجمع والنظر والمناظرة في ذلك، كان له الفتوى تمييزاً له عن العامي، (و) هذا القول (اختاره ابن الحاجب) والمهدي، وهو الصحيح.

  لنا: أنه قد ثبت إفتاء من له الإطلاع على المأخذ وأهلية للنظر في جميع الأعصار وإن لم يكونوا مجتهدين، وتكرر ولم ينكر، وأنكر الإفتاء ممن ليس له الإطلاع على المأخذ ولا أهلية للنظر، فكان إجماعاً.

  القائلون بالجواز قالوا: ناقل فلا فرق بين العالم وغيره كالأحاديث.

  وقد أجيب: بأنه ليس الكلام فيما ينقل عن المجتهد حكاية فإنه متفق عليه، ذكر ذلك ابن الحاجب، إنما الخلاف فيما هو المعتاد في الأعصار على أنه مذهب الهادي أو الشافعي وأبي حنيفة.

  القائلون بالمنع قالوا: لو جاز للمقلد لجاز للعامي؛ لأنهما في النقل سواء.

  وأجيب: بأن الإجماع هو الدليل، وقد جوزه للعالم دون العامي، وأيضاً فالفرق ظاهر وهو علمه بمآخذ أحكام المجتهد وأهليته للنظر دون العامي، فلا يصح التسوية بينهما.

  (فأما الحكاية فتجوز إجماعاً) كما أشار إليه ابن الحاجب في جواب شبهة القائلين بالجواز، وكما قد أشرنا إلى ذلك في صدر المسألة.