الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في بيان الحقيقة الشرعية]

صفحة 122 - الجزء 1

  قال عضد الدين: ومحل النزاع الألفاظ المتداولة شرعاً، وقد استعملت في غير معانيها اللغويَّة، فهل يوضع الشارع لها إمَّا لمناسبة فتكون منقولات، أولا لمناسبة فتكون موضوعات مبتدأة أو مستعملها فيها، لمناسبتها لمعانيها اللغويَّة بقرينةٍ من غير وضعٍ مُغن عن القرينة، فتكون مجازات لغويَّة، ثُمَّ غلبت في المعاني الشرعيَّة لكثرة دورانها على ألسنة أهل الشرع لمسيس حاجتهم إلى التعبير عنها دون المعاني اللغويَّة، فصارت حقيقة عرفيَّة لهم حتَّى إذا وجدوها في كلام الشارع مجردة عن القرينة محتملة للمعنى اللغوي والشرعي فعلى أيهما تحمل، وأمَّا في استعمال أهل الشرع فتحمل على الشرعي بلا خلاف. انتهى.

  قال بعض المحققين: والحاصل أنه لا نزاع في أن تلك الألفاظ قد صارت حقائق في تلك المعاني، وإنما النزاع في أن ذلك بوضع الشارع وتعيينه لها فتكون حقائق شرعيَّة كما هو مذهبنا، أو تغليبها في تلك المعاني في لسان أهل الشرع، والشارع إنما استعملها فيها مجازات بمعونة القرائن فتكون حقائق عرفيَّة خاصة لا شرعيَّة كما هو مذهب الباقلاني ومن معه. انتهى.

  قال الشيخ لطف الله: وما ذكروه واضح على القول بنفي ما نُسبَ إلى الباقلاني.

  وفَصَلَ (الشيرازي⁣(⁣١)) أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز أبادي (والسبكي⁣(⁣٢) وابن الحاجب) فقالوا: (الفرعيَّة واقعة) كلفظ الصلاة (لا الدينيَّة)، حيث قال بعد تبيين وجوه المناسبة عنها: فإن كان مذهب المعتزلة في هذه الأسماء الشرعيَّة ذلك فقد ارتفع النزاع، وإلا فهو مردود بالدليل المذكور.

  وقال (الإمام) يحيى (و) أبو حامد (الغزالي والرازي): بل (تدل على المعنيين اللغوي والشرعي معاً) الظاهر أنه أراد أن الصلاة إذا أطلقت بحسب اللغة فهم منها الدعاء، وإذا أطلقت بحسب الشرع فهم منها العبادة المخصوصة.

  (ثُمَّ اختلفوا) بعد ذلك في الدلالة، هل هي حقيقة فيهما معاً أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر؟:

  (فالإمام) يحيى (والغزالي) قالا (تدل عليهما حقيقة) لغوية، أما إذا أريد بها الدعاء فظاهر، وأما إذا أريد بها العبادة فهي باقية على إفادة الدعاء في زيادة أمور اشترطها الشرع، وذلك لا يخرجها عن


(١) الشيرازي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز أبادي من متكلمي الأشعرية، توفي (٤٧٦) هـ.

(٢) السبكي هو: القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي الخزرجي الأنصاري المعروف بالسبكي، من كبار علماء الشافعية، توفي بالقاهرة سنة (٧٥٦) هـ.