الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان هل يجوز خلو الزمان عن مجتهد أو لا؟ وفي بيان التقليد والالتزام والاستفتاء وما يقلد فيه وما لا يقلد

صفحة 555 - الجزء 2

  وأجيب: بأنا لا نسلم أن كل ما أخبر الشارع بعدمه فهو ممتنع لذاته، وإنما يكون كذلك لو كان استلزامه المحال لذاته، وهو ممنوع لظهور أنَّ ذلك بواسطة أنه قد اقترن به أخبار من ثبت صدقه بالدليل.

  وعورض أيضاً: بقوله ÷: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتَّى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»، وهو ظاهر الجواز والوقوع، حيث أخبر بقبض العلم والعلماء، وحيث استعمل كلمة إذا للدلالة على تحقق وقوع الشرط وهو نفي العالم على العموم، وهذا لفظ البخاري، وفي مسلم حديث «إن بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم ويغلب فيها بالجهل»، والمراد برفع العلم قبض أهله.

  وأجيب: بأن المراد بقبض العلماء قبضهم عن تمكين البسطة في الأرض وظهورهم على الجهال، بمعنى أنه يكثر تمهيله للجهال الذين لا لطف لهم، بأن يخيلهم حتَّى يقهروا العلماء ويستظهروا عليهم فيقبض بسطة العلماء، فذلك هو قبض العلماء على جهة المجاز، والقبض نقيض البسط، واستعمال بسط اليد في الأرض على معنى القهر فيها والغلبة، واستعمال قبض اليد على عكس ذلك.

  يدل على صحة ما قلناه: قوله في آخر الحديث: «اتخذ الناس رؤساء جهالاً ..» الخ فدل على أن المراد قبض رئاسة العالم؛ لأنه جعل رئاسة الجاهل بدلاً منها، وقوله «حتَّى إذا لم يبق عالم»، معناه مستظهر، وينصر هذا التأويل قوله ÷ في حديث الأربعين السيلقية في صفة زمان يتصدر فيه الفسقة حتَّى قال: «ويظهر فيه الآمرون بالمعروف» ولم يقل ويعدم فيه الآمرون.

  وأيضاً فمعارضتهم معارضة بدليلنا هكذا قيل.

  وأنت خبير بأنه وإن أمكن تأويل قبض العلم ما أمكن تأويل رفعه بتأويل قريب، وحديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين «أن يتفاوت الزمان وينقص العلم»، بتقديم الفوت، وفي رواية «أن يرفع العلم ويثبت الجهل»، وحديث أنس الثابت فيهما «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل»، وحديث أبي هريرة أيضاً الطويل الثابت فيهما الذي منه «وحتى يقبض العلم»، وحديث أبي الدرداء الثابت في سنن الترمذي «هذا أوان يحبس العلم من الناس حتَّى لا يبقى منه شيء»، يقضي بجواز الخلو والوقوع.

  احتج القائلون بالجواز: بأنَّه ليس ممتنعاً لذاته؛ إذ لا يلزم من فرض وقوعه لذاتِه محال، فلو كان ممتنعاً لكان ممتنعاً لغيره، والأصل عدم الغير.