فصل: في التقليد
  قلنا: بل يلزم من فرض وقوعه لذاته محال، وهو أن الاجتهاد فرض كفاية فيكون انتفاؤه بخلو الزمان عن المجتهد مستلزماً لاتفاق المسلمين على الباطل، وإنه محال.
  وأجيب: بأن الاجتهاد فرض كفاية لا دائماً بل إذا كان ممكناً مقدوراً؛ لأن ذلك من شرائط التكليف، وإذا فرض الخلو بموت العالم لم يكن ممكناً مقدوراً.
  قلنا: خلو الزمان بموت العلماء إنما ينافي حصول الاجتهاد بالفعل لا الإمكان والقدرة.
  احتج ابن دقيق العيد: بالحديث وهو قوله: «حتَّى يظهر الدجال» وبما سبق من الأحاديث، «وبأن الزمان إذا تداعى تتزلزل القواعد» لم يحتج حينئذ إلى المجتهدين.
فصل: في التقليد
  (والتقليد) في اللغة: مشتق من القلادة، كأن العامي قد جعل ما أفتاه العالم قلادة في عنق العالم، أو جعل قول العالم قلادة في عنق نفسه.
  وهو في الاصطلاح: (قبول قول الغير بلا مطالبة بحجة) فخرج قبول غير القول من الفعل والتقرير، فليس بتقليد.
  وقيل: إن القبول يعم القول والفعل تغليباً، وقبول القول مع المطالبة بالدليل فهو اجتهاد وافق اجتهاد القائل؛ لأن معرفة الدليل إنَّما يكون للمجتهد لتوقفها على معرفة سلامته عن المعارض، بناء على وجوب البحث عليه، وهي متوقفة على استقراء الأدلة كلها، ولا يقدر على ذلك إلا المجتهد، وقوله بلا مطالبة بحجَّة أي دلالة وأمارة.
  قال بعض العلماء: وعلى هذا فلا يكون الرجوع إلى الرسول تقليداً له، وكذا إلى الإجماع، وكذا رجوع العامي إلى المفتي، وكذا رجوع القاضي إلى الشهود في شهادتهم، وذلك لقيام الحجَّة فيها، فقول الرسول بالمعجزة، والإجماع بالأدلة على حجته، وقول الشاهد والمفتي بالإجماع، ولو سمي ذلك أو بعضه تقليداً كما سمي في العرف أخذ المقلد العامي بقول المفتي تقليداً فلا مشاحة في التسمية.
  (فإن كان) قبول قول الغير (في كل مسائله فهو الالتزام، وإلا) يكون في كل مسائله (فلا) أي فليس بالتزام، (فكل ملتزم مقلد ولا عكس) أي وليس كل مقلد ملتزم، وذلك واضح.