فصل: في التقليد
  (و) التقليد (أصله القبح عقلاً) لأن المقلد لا يأمن خطأ من قلده، والإقدام على ذلك قبيح، كالإقدام على من لا يأمن الكذب معه.
  قال والدنا العلامة عز الإسلام محمد بن عز الدين حفظه الله تعالى: والمقدمة الثانية ممنوعة، وذلك لأن القبيح هو الإقدام على ما يظن الخطأ فيه لا ما لا يؤمن فيه، بدليل أن العقلاء يقدمون على الأسفار مع عدم الأمن، وعلى الحروب مع عدم الأمن للتهلكة، بل منهم من تقدم على المرجوح كما كان من بعض الصحابة لما نزل قوله تعالى في الخمر والميسر: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة: ٢١٩]، فإنه لم ينزجر عن الشرب حتَّى نزل {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[المائدة: ٩٠]، وقد حقق مثل ذلك السيد محمد بن إبراهيم، وله في ذلك كلام طويل مفيد، فمن أحب الاطلاع عليه فليطلبه في العواصم.
  [وقد تقدم في كتاب القياس شيء من هذا، وأشار إلى قرب منه المهدي في دامغ الأوهام، وللعضد كلام نفيس نفيس في الرد على من أنكر التعبد به عقلاً](١).
  (و) أصله القبح (شرعاً) لذم الله تعالى للمقلدين في كتابه المبين، فقال وهو أصدق القائلين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ١٧٠}[البقرة: ١٧٠]، وكفى للمقلد عاراً بمشابهته للكفار في هذه الخطة وذم رسوله لهم، قال ÷: «من أخذ دينه عن أفواه الرجال، مالت به الرجال من يمين إلى شمال، وكان من دين الله على أعظم زوال» ولله القائل:
  ما الفرق بين مقلدٍ في دينه ... راضٍ بقائده الجهول الحائر
  وبهيمةٍ عجماء قاد زمامها ... أعمى يضل عن الطريق السائر
  فأصل التقليد القبح (إلا فيما خصه دليل) وهو مسائل الفروع، فإن إجماع الصحابة على جواز ذلك خص التقليد فيها، دون المسائل الأصلية والعملي المترتب على العلمي فبقي فيها القبح العقلي والشرعي.
  قال والدنا عز الإسلام حفظه الله تعالى: وقد يجاب عن الآية بأن ذم التقليد فيها لما قام الدليل القاطع على خلافه(٢)، وكذلك ما ورد على نمطها، أما مالم يقم الدليل القاطع على خلافه فلا نسلم، ومثل ذلك ذكره مولانا الإمام عز الدين بن الحسن ¦.
(١) ما بين القوسين غير موجود في الأصلية، وهو ثابت في هامش النسخة (أ) من الأصل.
(٢) مع أن قوله تعالى {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} الآية، يفهم منه أنه يعفى عمن قلد، وأنه لا يؤخذ بنفس التقليد إلا وقد أعذر إليه، مع أن من قلد من كان يعلم منه الهدى، والطريقة المثلى، ليس كمن قلد من ضل واتبع سبيل الردى، كما نبه عليه تعالى بقوله {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ١٧٠}، ففيها مآخذ تحت مآخذ مع التأمل، والله أعلم. تمت من هامش النسخة (أ).