الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي

صفحة 560 - الجزء 2

  عملاً فلا يجوز التقيلد فيه ولا العمل بالظن؛ لأن ذلك لا يجوز إلا لمن علم يقيناً أنه من المؤمنين، والأصل فيمن ظاهره الإسلام الإيمان مالم يعلم بيقين أنه قد خرج عنه، (والمعاداة) وهي نقيض الموالاة، فإنه أيضاً لا يجوز التقليد فيها ولا يكفي في العمل بها إلا العلم، لأنها تترتب على الكفر والفسق، وهما مما لا يجوز التقليد فيه، فكذا ما ترتب عليهما، (وجوّز بعض علمائنا) كالفقيه قاسم، والفقيه عبد الله بن زيد، والقاضي فخر الدين، والفقيه حميد (التقليد فيه) أي في العملي المترتب على العلمي، (في العمل لا في الاعتقاد) فمنعه فيه، فمن يقلد الهادي ليس له أن يقلده في كفر المجبرة، وله أن يقلده في أنه لا يترطب برطوباتهم، على هذا ولا يعتقد تحريم ذلك.

  لنا: على صحته في الشرعي الفرعي العملي مطلقاً وامتناعه في الأصلي القطعي:

  أمَّا على الطرف الأول: فإجماع السلف على ترك نكير تقليد العوام؛ وذلك أنَّ العلماء لم يزالوا يستفتون في القطعي والظني فيفتون من دون تفرقة بين معلوم ومظنون، وشاع وذاع وتكرر ولم ينكر عليهم، فكان إجماعاً، وقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣} فالإستدلال بالآية يتوقف على عمومها فيمن يعلم وفي من لا يعلم، والأول معلوم من عموم خطابات الشارع، وقد عُلم أنَّ علة السؤال هو الجهل.

  وأمَّا الثاني: فلأن الجهل مقيد بالعلة التي هي عدم العلم، فكلما تحقق عدم العلم تحقق وجوب السؤال لما علمت أن المقيد بالعلة يتكرر بتكررها، ويلزم العموم فيما لا يعلم، وأنَّ المقصود في العمليات العمل، والعمل يسوغ فيه قبول قول الواحد؛ لأنه لا يخلو إمَّا أن يكون لدفع ضرر أو جلب نفع؛ إذ الشرائع كلها كما علمت أنما شرعت لكونها مصالح، وقد تظافر العقل والسمع على وجوب العمل في الدفع والجلب كما قد تقرر في مواضع، وأن المصلحة تحصل في ضمن ذلك لا سيما في المسائل الاجهادية فإنَّ الظن قصارى ما يمكن فيها، وإلا لكنا قد كلفنا بما لا نعلم، وذلك قبيح لا يقع من الشارع، وإذا تعذر تحصيل الظن بالاجتهاد وجب التقليد؛ لأنه الممكن.

  وأمَّا على الطرف الثاني: فما تقدم من قبح التقليد عقلاً وشرعاً إلا ما خصه دليل؛ ولأن الأصولين من مسائل الاعتقاد، والتقليد لا يجوز فيها، ومثل الصلوات الخمس يجب أن يعلم أن النبي ÷ كان يدين بها ويخبر بوجوبها، فهي معلومة من الدين ضرورة، فكيف يسوغ التقليد فيها؛ لأنه لا بد أن يشترك فيما هذا حاله من عرف نبوة النبي ÷ كافة.