الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي

صفحة 562 - الجزء 2

  احتج المانعون مطلقاً: أمَّا في العقليات فبحجتنا، وأمَّا في الشرعيات: فبقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٣٣}⁣[الأعراف: ٣٣]، وبأنَّ الله تعالى ذم أهل التقليد كما قدمناه، وبقوله #: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، توافقنا على خروج بعض العلوم عن هذا العموم، فيبقى العلم بفروع الشريعة داخلة فيه.

  قلنا: الأوَّل: منقوض بكل ظن وجب العمل به كما في أحوال الدنيا، وفي قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وبخبر الواحد والقياس إن سلموا جواز العمل بهما.

  والثاني: مخصص بهما بالإجماع كما سبق.

  والثالث: كذلك لإجماع الصحابة على عدم إلزام العوام بالاجتهاد، فدل على أن المقصود به معرفة الله وما يلحق بها.

  احتج أبو علي: بأنَّ الحق في المسائل القطعية مع واحد، فالمقلد فيها لا يأمن أن يقلد المخطئ.

  قلنا: هذا صحيح إلا أنه قد علم إجماع الصحابة على تجويز فتوى العامي في مسائل الفروع قطعيها وظنيها من دون تنبيه على الدليل ولا إنكار للاقتصار، فدل ذلك على جواز تقليد في القطعي كالظني.

  قال أبو الحسين: ولا يضره تجويزه الخطأ في التقليد؛ إذ تكليفه العمل بقول من أفتاه فهو مصيب، وإن كان المفتي مخطئاً كما لا يضر تجويز كون المفتي في الظنيات غير عدل.

  احتج العنبري: على امتناعه في أصول الشرائع بحجتنا، وعلى غيره بحجة المخالف في بعض، وبحجتنا في بعض، والأجوبة تعرف مما سبق.

  قال الحفيد: ومنعه للتقليد في أصول الشرائع وإجازته للتقليد في التوحيد والعدل مناقضة؛ لأن أصول الشريعة لا تعلم إلا بعد العلم بما يعد من أصولها وهي علوم التوحيد والعدل.

  قال الفقيه قاسم: وهذا ظاهر إن أراد به أن أصول الشرائع يعلم أنها حق وصواب، ولا يجوز التقليد فيها ويجوز التقليد في الأصول التي هي متفرعة عنها، وإن أرادوا به ما قدمناه في الاحتجاج على عدم جوازه في أصول الشرائع فلا تناقض؛ لأنه إذا كان كذلك تعذر التقليد فيه ويقع التقليد في أن ما دان به حق وصواب، وإن كان قول العنبري غير سديد.

  احتج أبو القاسم: بأنه لو كلف من لم يبلغ رتبة النظر بالاجتهاد لكان مكلفاً لما لا يقدر عليه.

  قلنا: يجب عليه طلب الحق والاجتهاد في بلوغه والتكلف لإصابته.