(فصل): في أن التقليد هل هو جائز لغير المجتهد أو واجب؟ وهل يجوز للمجتهد أن يقلد غيره أو لا؟
  فكما لا يجوز للمجتهد العدول إلى غير ما قد ترجح له من الأمارات كذلك لا يجوز للمقلد العدول عمن قد ترجح له تقليده في حكم من الأحكام إذ هو عنده في الأحكام كأمارة المجتهد، ولقد شدد الإمام المنصور بالله في هذا حتَّى قال: لا يجوز لمن استفتى عالماً في مسألة أن يعمل بقول غيره في غيرها، ولو كان قول غير ذلك الغير أحوط من قول إمامه؛ إذ لا معنى للأحوطية مع القطع بإصابة المجتهدين.
  قلنا: المعلوم من حال الصحابة أنهم لم يلزموا من سأل واحداً منهم عن حكمٍ واحدٍ وعمل بفتواه أن لا يسأل غيره عن غير ذلك الحكم، ولا أنكروا عليه ذلك في ورد ولا صدر، ولا نقله أحد لا عدل ولا غير عدل، ولو كان لنقل واشتهر؛ لأنه مما تقضي العادة بنقله، وكذا في زمن التابعين وتابعي التابعين إلى وقتنا هذا، فكان إجماعاً على جوازه.
  (ويحرم) التقليد (على المجتهد بعد اجتهاده في الحكم اتفاقاً، واختلف فيه) أي في التقليد (قبله) أي الاجتهاد:
  (فعند أئمتنا والجمهور) من العلماء (يمتنع) التقليد (مطلقاً) سواء كان التقليد فيما يخصه، أو فيما يفوت وقته، أو يكون المقلد أعلم، أو صحابياً راجحاً أو مرجوحاً، أو تابعياً، أو كان المقلد حاكماً، سواء كان من قلده أعلم أو لا.
  وقال (أبو حنيفة وسفيان وأحمد وإسحاق و) هو (أحد قولي المؤيد بالله: يجوز مطلقاً) كذلك.
  (وقيل: يمتنع) التقليد (فيما لا يخصه) كالإفتاء، دون ما يخصه فيجوز، وليس المراد بذلك اختصاص الحكم به بحيث لا يعم غيره من المكلفين، بل كون الغرض من الاجتهاد تحصيل رأي فيما يشتغل بعلمه لا فيما يفتي به لغيره كما في المسائل الاجتهادية في الصلاة حين يريد أن يصلي.
  (وقيل): يمتنع التقليد فيه، و (فيما لا يفوت وقته)، فأمَّا فيما يفوت وقته إذا اشتغل بالنظر والاجتهاد، كما إذا كان في آخر وقت الصلاة بحيث لو اشتغل بالنظر والاجتهاد في مسائلها الاجتهادية فاتته الصلاة، ولما يتحصل له ثمرة النظر لعدم وُجدان وجه الاجتهاد وطريقه في تلك الحالة(١)، وهذا قول ابن سريج، وفي شرح الشيرازي أنَّ هذا ليس قولاً مستقلاً، بل هو قول لبعض من يمنعه فيما لا يخصه، قال: فلو قيل: وقيل فيما لا يخصه، وقيل: ويفوت وقته، لكان أولى.
(١) في النسخة (أ): فالحاصل أن هذا تفصيل لمذهب القائلين بالمنع فيما لا يخصه، وليس المراد أنه يجوز التقليد فيما يفوت وفيه، سواء كان مما يخصه أو يفتي به.